آخر الأخبار
The news is by your side.

تحبير الواقع  …   لولا أنتَ ما غنيتُ لحناً

تحبير الواقع  …   لولا أنتَ ما غنيتُ لحناً

الفاشر: محمد شعيب

” ما استحق أن يولد من عاش لنفسه دون غيره” هذه الحكمة منسوبة للسياسي والكاتب المصري مصطفى كامل ،وودت أن استفتح بها في هذا المقال بشأن قبول الأخر، وهو العنوان الرئيس للمنتدى الفكري الأول الذي نظمه مركز وعي للتدريب والتنمية البشریة بالتعاون مع إدارة الإعلام والاتصالات بالمجلس الأعلى للثقافة والإعلام بولاية شمال دارفور في الليلة أول البارحة بمقر المركز بحي التكارير بالفاشر وسط حضور نوعي مقدر، حيث جمَّلَ المشاركون المنتدى بدرر أفكارهم وأرائهم بتحليل واقع المجتمع الدارفوري في القرون الخالية حينما كانت القبائل- بالرغم من تنوعها العرقي والثقافي-توسم بمتانة الترابط ،والتصاهر، وانعدام العصبية، والولاءات القبلية الضيقة مما نتج عنها غزل هذه المجتمعات في نسيج اجتماعي تشدها روح الاحترام المتبادل بعيدا عن السخرية، والاستهزاء ،والأوصاف الهدامة.

وفي مقولة للأستاذة زهراء عبدالنعيم الناشطة الحقوقية في منظمات المجتمع المدني في المنتدى:(إن أهل دارفور متشابكون اجتماعيا وثقافيا؛ إلا أن الوضعية السياسية الأخيرة إبان الانقاذ صنفت الناس على أساس القبائل والبطون وأفرزت الفتن والتنافر بين الناس، لكن على الناس _والكلمة لها- يجب أن تعي الدروس والاستفادة من تجارب المرارات، وقبول الأخر مع مراعاة تطبيق قيم العدالة والمساوة ،وحفظ حقوق وواجبات المواطنين).

وبلا شك فإن للممارسة السياسة -التي شهدتها فضاءات بلادنا ولاتزال تشهدها- قدح معلى في شق وتمزيق نسيج الأمة بالاستقطابات الاثنية والجهوية حتى يكاد يكون عدد التنظيمات السياسية يساوى عدد المكونات الاجتماعية بالبلاد بعدما توالدت الأحزاب السياسية وتحافدت في إشارة صريحة وواضحة لعدم إيمان النخب السياسية بمبدأ قبول الأخر وتقديم هذا الأخر لقيادة الحزب المعني.

وبالرغم من وجود أوجه التشابه الكبير في الآيدلوجيات السياسية ،والأفكار، والمباديء والشعارات المرفوعة لكن يبدو إنها غير كاف ومقنع في تقليص عدد هذه المنظومات السياسية مما يشكل ذلك خطرا على تشريح لحمة المجتمع ورفض أفراده وجماعته بتقبل الأخر في كل الممارسات الحياتية.

ويمضي المنتدى في إلقاء إضاءات على قيم التسامح والتصالح مع النفس أولا، والبحث عن القواسم المشتركة الجامعة بين الناس. وكان لحديث عضو لجان المقاومة، محمد إسماعيل، وقع كبير في نفوس الحاضرين عندما قال: (إن الحديث عن قبول الأخر يرتبط ارتباطا وثيقا بالاعتراف في حق الإنسان الأخر في شكله ولونه ولغته ولهجته ومعتقداته).

ويضيف بأن حافز نجاح اقتلاع نظام الانقاذ كان بفضل الاتفاق بين كل الشعب السوداني على هدف اسقاط النظام البائد لذا ينبغي البحث عن حوافز أخرى تقرب المجتمعات على الاتفاق وقبول الأخر. كما قال: إن الدولة المدنية التي صاح بها الثوار يعني الخروج من عباءة الولاءات الاثنية الضيقة التي فصلها النظام الساقط للشعب،والتوجه نحو تأسيس دستور دائم وقضاء مستقل لحكم البلاد.

تلك التعبيرات تدعو الجميع إلى التحرر من هذه الخرافات والأوهام المصطنعة لضرب قواعد السلم الاجتماعي بالمصطلحات المستحدثة،ومن هذه المصطلحات المطلقة من بعض الناشطين السياسيين عبر (وسائل التواصل الاجتماعي )في الأونة الأخيرة عبارات: سكان أصليين وسكان غير أصليين ،وسكان تقليديين ،وسكان مستوطنين، وسكان وهميين، هذه التصنيفات قطعا ستعصف بهذه المكونات الاجتماعية من وجه الأرض ولو بعد حين. وهنالك تجارب خير شاهد لهذا.

إن تغيير المجتمع نحو الأفضل ينطلق بتغيير الأفكار والممارسات المعيبة التي تأتي دوما بالنتائج العكسية والخسائر الفادحة. وهنا يتوجب العمل على الانفتاح بتبني ثقافة قبول الأخر وإشاعتها بين الأجناس المختلفة ،والابتعاد عن التضليل السياسي وخطب الكراهية المبثوثة على صفحات “المواقع الاسفيرية” فهي فخاخ تضعف من قوة تماسك وتلاحم المجتمع المحلي والقومي.

كما على الأسر والمجتمع القيام بتربية النشء على مبدأ قبول الأخر واشباع مشاعره باحترام الأخرين، وتشكيل أفكاره الغضة بأن تقدير الأخرين هو بمنزلة تقدير لنفسه لانتاج مجتمع واع ومدرك بقوة وحدته وسلامته وأمنه. فلا طعم للحياة دون وجود الاختلاف ولكن ليس الخلاف. ويكون القول:(يا رفيقي أنا لو لا أنت ما وقَّعتُ لحنا كنتَ في سِرِي لما كنتُ وحدي أتغنى). إيليا أبو ماضي.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.