آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: سورة الفاتحة هي أم القرآن

تأملات قرآنية … بقلم: د. هاشم غرايبه

سورة الفاتحة هي أم القرآن، فهي تفتتح به، ولا يمكن أن تجد مسلما لا يحفظها، لأن قراءتها في بداية كل ركعة هي ركن أساسي من أركان الصلاة، وتبطل الصلاة بدونها.

في هذه الآيات السبع، بيان وشمول لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وفي معاني هذه السورة الجليلة تكتب مجلدات، لكني سأختصر بلمحات تأملية في بعضها.

1 – سورة الفاتحة هي دعاء، ولما كانت المناجاة اتصالا مباشرا مع الله ومن غير وسيط، فالتأدب في الخطاب يقتضي حمد الله والثناء عليه أولا، ثم الإقرار له بالفردانية في الربوبية، فلا ينازعه منازع ولا يشاركه أحد فيها.

وبعدها التقرب إليه بأسمائه (صفاته التي وصف بها نفسه)، والتي تؤمل الداعي بقبول الرجاء، والصفة المتوافقة مع ذلك هي صفة الرحمة، وهي هنا مضاعفة، فالله ليس رحيما فقط بل رحمانا أيضا.

وهنا يجب أن نفهم الفرق بينهما، فالرحمن على وزن فعلان وتفيد لغويا باتساع نطاق الفعل، لذا فالرحمن تعني ذو الرحمة الواسعة والتي تتسع لكل شيء، لذا فهي رحمة عامة تشمل كل خلق الله، من جمادات وكائنات حية، والبشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، أما الرحيم فهي على وزن فعيل وهي بمعنى فاعل، لكنها تزيد عنها بأنها تعني توصيل الفعل الى المفعول، وعليه فإن الرحيم تعني إيصال الرحمة الى المرحوم، فهي هنا رحمة خاصة بالمؤمنين، وهم الذين صدّقوا بما آتاهم الله من رحمة الهدى فأمنوا بما أنزل على رسله.

2 – بعد ذلك الإقرار بيوم الحساب، حيث الملك يومئذ جميعا لله، فلا يملك امرؤ شيئا حتى رداء يستر به نفسه.

إن الإيمان بيوم الحساب ملازم للإيمان بالله، فلا يمكن أن يسمح الله الذي حرم الظلم على نفسه، أن يُترك الناس سدى بل تقتضي للعدالة الإلهية، أن يجازى من ابتلاه الله فصبر ومن أنعم عليه فشكر، وينال الخزي فيه كل من ظلم غيره وفجر، أو تكبر وعلا في الأرض وكفر.

3 – ثم يبين الداعي الى الله حجته في طمعه برحمة الله، بأنه لا يحمد إلا الله، ولا يستعين بأحد سوى الله.

على أنه لا بد من التوقف هنا عند صيغة الطلب جماعيا (إياك نعبد)، رغم أن القناعات الإيمانية عند الداعين متباينة، ودرجة الصلاح لديهم ليست واحدة.

ميزة الدين أنه ليس مجرد قناعات فردية، بل هو عمل جماعي، فليس الهدف من تهذيب نفوس الأفراد نجاتهم بذاتهم، بل صلاح المجتمعات، ورغم أنه في المسؤولية الفردية لا تزر وازرة وزر أخرى، إلا أن المسؤولية عن فساد المجتمع تطال الجميع، صالحهم وطالحهم، لأن الفساد في المجتمع كالحريق، يمتد ويعم فيدمر كل شيء إن لم يوقف، لذلك لا يخلي الله الصالح من مسؤولية إصلاح غيره، فجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة.

4 – نصل الآن الى المبتغى وهو جوهر الدعاء ومناط الرجاء: “إهدنا الصراط المستقيم”.

لم يطلب من وقف يناجي الله في صلاته مالاً يغنيه، ولا عافية تبقيه صحيحا قويا، ولا ولدا يخلفه ويُطيل له ذكرا، بل طلب الهداية الى الطريق السوي الذي يوصله الى الله.

أقصر الطرق بين نقطتين (العبد وربه) هو الخط المستقيم، فهنالك العديد من الخطوط المعوجة، لكن المستقيم منها يتطابق تماما مهما تعدد ، لذلك لا تسمى الصراطات المستقيمة، بل هو معرف بصفة المستقيم، لذلك فهو واحد.

5 – طالما ان الصراط الموصل الى الله واحد، إذاً فهو الصراط ذاته الذي أنعم به الله على أصحاب الرسالات السابقة، لكن لزم التأكيد أنه ذلك الذي جاء به المرسلون، وأبلغنا به القرآن، وليس ما أوصله إلينا من تبعوهم، لأن هنالك طائفتان من أهل الكتاب بدّلتا فيه:

الأولى: الذين خالفوا أوامر الله وبدلوا ما أنعم به عليهم بعصيانه وقتل أنبيائه، فغضب عليهم، والثانية الذين أُمروا أن يعبدوا الله ولا يشركوا به أحدا، لكنهم قالوا على الله كذبا أنه اتخذ ولدا، أو أنه ثالث ثلاثة، فأصبحوا من الضالين.

كلاهما حادتا عن الصراط، لذلك ندعو الله كلما ناجيناه في صلاتنا أن يجنبنا مآلهم، ويبقينا على صراطه المستقيم، وفي ذلك الخير كله والسعادة في الدارين.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.