آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات قرآنية: الآية 110 من سورة آل عمران

 تأملات قرآنية: الآية 110 من سورة آل عمران

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 110 من سورة آل عمران: “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”

في هذه الآية الكريمة، محطات عديدة يجدر التأمل والتفكر فيها، منها:

1 – أنها تبين العلاقة بين الرسالات الثلاث الأخيرة، وتحدد الرابط بينها، وما يجب أن ترتكز عليه عقيدة المؤمن الموحد.

فقد اصطفى الله بداية بني إسرائيل (ذرية يعقوب بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام) بالنبوة، ومنهم اختار موسى عليه السلام فأنزل عليه التوراة، وكلفه ومن تبعه من الأنبياء أن يبينوها للناس ولا يكتموها، ويتبعوا شريعتها ويحكموا بموجبها: “يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا” [المائدة:44].

ومع الزمن ظهر الذين هادوا من بينهم، وهم الذين قست قلوبهم، فنسوا ما ذكروا به، وعتوا عن أمر الله، فأرسل إليهم الرسالة الثانية وأنزل الإنجيل على آخر أنبيائهم المسيح عليه السلام، متضمنا المبادئ الإيمانية ذاتها، ومؤكدا على ما جاء فيها من تشريعات، ورفع عنهم بعض الإصر الذي حمله عليهم، لكنهم لم يستجيبوا بل سعوا الى قتل نبيهم لكن الله لم يمكنهم منه.

ثم عادوا الى ما نهوا عنه، وانحرف أكثر من آمنوا، فحرفوا كتابي الله وألّهوا بعض أنبيائه فانزلقوا الى الشرك، وبعد ستة قرون، قدر الله تعالى في سابق علمه أن البشر فيها قد وصلوا الى التطور العقلي والمجتمعي الذي يمكنهم من استيعاب العقيدة وحمل الدين كمنهاج حياة، أكمله لهم بالرسالة الخاتمة، وأنزل عليهم منهاجه مدونا في كتاب تعهد بحفظه الى يوم الدين (القرآن الكريم)، فلا يحتاجون بعد لأنبياء ولا لرسالات.

2 – هكذا نفهم تسلسل الرسالات وارتباط الكتب السماوية ببعضها، فليست هنالك أديان سماوية متباينة، بل هو دين واحد، أنزله الخالق على البشر هاديا ومنهاجا وحكما، إنما تدرجت تشريعاته من خلال رسالات يكمل فيها اللاحق السابق، لذا فكل رسالة تشمل ما سبقها، وتزيد فتكمل ما قدره الله أن يحتاجه التطور البشري من تعديلات.

إذاً فالمؤمن بالرسالات السابقة هو مؤمن، لكن من أدرك الرسالة الخاتمة أو ولد بعدها، ليس مخيرا، بل عليه تجديد الإيمان باتباعها.

لذلك، فبعد نزول الرسالة الخاتمة، لا يعتبر الله من آمن بالرسالات السابقة مؤمنا إلا إن آمن بها: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [آل عمران:85].

3 – هنا نصل الى مراد الله من قوله: “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ”، فهو تعالى يعتبر إيمانهم بالرسالات السابقة إن لم يؤمنوا بالرسالة الخاتمة منقوضا، بل بيّن بكل وضوح أن ما اعتقدوا أنه سيدخلهم الجنة، بأنه اعتقاد باطل لأنه: (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

4 – السؤال المهم هنا لماذا استعمل تعالى في تبيان مصير أهل الكتاب صيغة التخيير: (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم)، ولم تكن الصيغة إلزامية؟.

الجواب لأن الإيمان أصلا أراده الله أن يتحقق بالمحاكمة العقلية والاقتناع، فحتى المكذب بالدين والملحد المكابر والمحادد لمنهج الله، لم يضع الله عليهم عقوبة دنيوية ولا كلف المؤمنين بحمله على الإيمان عنوة: “لا إكراه في الدين”، بل عليهم الدعوة، ليسقطوا حجته أمام الله ساعة الحساب، بأنه لم تصله الدعوة لمنهج الله، ولو عرفه لاتبعه.

5- نصل أخيرا الى: لماذا إيمان أهل الكتاب ودخولهم الإسلام هو خير لهم؟.

إن ورود صيغه الخير مبهمة: هل هو في الدنيا أم في الآخرة، تعني أنه خير في الدارين.

خير الآخرة معروف وهو نوال الجنة، إنما خير الدنيا في مسارين:

الأول نعرفه من ابتداء الآية بـ “كنتم خير أمة..”، لأنه يتحقق من التحاقهم بالأمة التي هي خير الأمم جميعا.

أما الثاني فهو أن الشريعة الإسلامية خففت من الإصر الذي جعله الله على المؤمنين في التوراة، منها:

– كان على المؤمن أن يقابل في القتال عشرة من الكافرين، فخفف الله ذلك على المسلمين بمقابلة اثنين.

– وكان تحريم الخنزير بأجمعه حتى لمسه، فأصبح التحريم مقتصرا على أكل لحمه فقط.

– وكان حد الزنا في التوراة الرجم، فجعله الله في القرآن الجلد.

كما أدخل القرآن تشريعات كثيرة تحقق الأمن المجتمعي مثل حد القذف والطلاق والمواريث والمعاملات..الخ.

لذلك قال تعالى: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [فصلت:2].

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.