تأملات رمضانية… سورة الجاثية الآية “13”
تأملات رمضانية… سورة الجاثية الآية “13”
بقلم: د. هاشم غرايبه
يقول تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الجاثية:13].
أشاع من لا يؤمنون بالله، ويعتقدون أن الوجود عبثي نشأ مصادفة بلا خالق، أشاع هؤلاء نظرية “الانفجار السكاني”، التي تعني أن تزايد البشر سيؤدي الى نضوب الموارد، وبالتالي هلاك الناس جوعا.
ما يبين أن هذه الفكرة خرافية، أنها ليس عليها من دليل علمي ولا تاريخي، أن من وراءها هم قوى الاحتكار والأطماع الغربيون الذين يسعى للاستحواذ على كل شيء، وجاءوا بها لتبرير شرورهم، بنشر الأوبئة وشن الحروب المهلكة.
هذه القصة ليست جديدة، بل هي مرتبطة بأطماع الإمبريالية وجشع الرأسمالية، فمنذ بداية القرن العشرين، وبعد أن أصبح قوام الصناعات معتمدا على الحديد، خشيت الدول الصناعية الكبرى من نفاذه، فبيتت النية على البحث عن حجم خام الحديد في العالم لتأمين سيطرتها عليه، رصدت البعثات أماكن تواجده، وخرجت بأن ما هو متوفر يكفي الحاجة سبعين عاماً أي أن معدن الحديد سينضب بحلول العام 1980، مرت السبعون عاماً وتبين أن مخزون الحديد في الكرة الأرضية هائل لا ينضب.
الذين لا يؤمنون بوجود خالق، خلق كل شيء في أكمل صورة، وقدر للكائنات أرزاقها، ولا يؤده حفظها، ولا يعجزه تدبير أرزاقها، لا يعلمون أنه تعالى تكفل بحاجات البشر الى نهاية الحياة.
في قوله تعالى” وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ” [الحجر:19-20]، يبين الله تعالى كيف تكفل بتأمين الأرزاق للكائنات الحية جميعها، من خلال تأمينه للنظام الغذائي والتوازن البيئي، ومخزون الموارد كلها.
فما هو مطلوب لدوام الحياة البشرية على هذا الكوكب سلسلة منتظمة من جماد ونبات وحيوان، تكمل بعضها وتعوض ما ينقصه البعض في دورة كاملة.
مالا يتجدد كالمعادن والأملاح مخزنة بما يكفي مهما استهلك منه.
وما هو أساسي للحياة كالماء والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون جعل توفره بكميات كافية ثابتة، عن طريق تجددها بدورة كاملة، تستعيد ما استعمل.
فالماء مخزن بشكل مالح حتى لا يفسد في المحيطات التي تشكل 71.1 % من مساحة القشرة الأرضية، والماء النقي مخزن في الغلاف الجوي، ويظل الماءان في حالة انتقال دائم لكي تستفيد منه كل الكائنات الحية من غير أن ينقص.
أما في الهواء فقد أودع الله فيه غازين أساسيين للحياة، هما الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون، ويبقيان بنسبة ثابتة لأن استعمال كل منهما تبادلي بين النبات والحيوان، فالنبات يستخدم ثاني أوكسيد الكربون الذي تطرحه كل الكائنات الحيوانية، ويستعمله الى جانب الماء ومعادن التربة وبوجود أشعة الشمس كمكون أساسي لغذائه، وفي الوقت نفسه يطرح الأوكسجين ليعوض ما استهلكه الحيوان، كما أنه وبتلك العملية (التمثيل الكلوروفيلي) يتم تصنيع كل المواد اللازمة لحياة البشر والحيوانات جميعا من الكاربوهيدرات والبروتينات النباتية والأملاح والمعادن والفيتامينات..وفوق ذلك العلاجات والأدوية لكل ما يلم بها من أمراض.
كما أوجد كائنات دقيقة تحلل الكائنات الميتة الى مكوناتها الأولية، لتمتصها النباتات وتتحول غذاء للكائنات الحية من جديد.
أما ما يستهلكه الإنسان من غذاء مصدره نباتي أو حيواني بشكل يومي، ولا يمكن خزنه، فقد خلقه الله متجددا بالتكاثر والتوالد والنمو.
وفيما يتعلق بالكائنات الحية الأخرى التي لا يمكنها أن تؤمن غذاءها أوتصنعه، فلم يوكل ذلك الى الإنسان، لأنه يعلم تكاسله وتقاعسه، بل تكفل به بذاته العلية: “وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ” [العنكبوت:60]
لذلك فالإنفجار السكاني وعدم كفاية الموارد لسكان الأرض خرافة قصد بها تبرير الأطماع الإحتكارية.
هنا نستبين الفارق بين أن يكون المرء مؤمنا أو كافرا ملحدا، لأنهم لو كانوا مؤمنين لأيقنوا بأن من خلق الإنسان في أحسن تقويم، أمّن له جميع متطلبات معيشته طالما بقيت الحياة، فكل ماهو موجود في الأرض مُسخّرٌ لمصلحته ومضبوطة كمياته وفق احتياجاته، وبحسابات دقيقة، ولا يمكن لغيره ذلك.