المادة ( 152 ) زي فاضح أم نص مفضوح …؟
سودان بوست: الخرطوم
علي الدالي
من جديد المادة (152) من القانون الجنائي في مواجهة عاصفة الناشطين الحقوقيين والمتهمين بحقوق المرأة بعد أن قامت قوة من شرطة أمن المجتمع بإلقاء القبض على المطربة منى مجدي سليم على خلفية تداول صور لها التقطت أثناء غنائها في حفل خيري تداولها ناشطون بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي .
محامون وناشطين حقوقيين نظموا حملة أسفيرية كثيفة ربما أجبرت السلطات على التراجع وعدم الرغبة في مواصلة الإجراءات الجنائية ضد كريمة المحامي الشهير مجدي سليم بعد أن سبحت النيابة العامة أوراق القضية واوقفت الإجراءات .
وكانت قوى سياسية مدنية ومنظمات مجتمع مدني أصدرت بيانات عديدة جميعها تطالب بإلغاء المادة 152 ووقف المحاكمات الايجازية الإجراءات القانونية التي تلاحق النساء وتستهدف المبدعات منهن . فيما لا تزال جهات حكومية تتمسك بالنصوص القانونية التي تستهدف حرية المرأة لاسيما في لبسها وتعده شأن ديني وضمن ثوابت الشريعة الإسلامية التي لا يجوز المساس بها بينما علت أصوات داخل السلطة بضرورة إجراء تعديلات على تلك المواد المقيدة للحريات الشخصية .
ويقول نص المادة المثيرة للجدل حسب المادة 152 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م والتي جاءت تحت عنوان الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة أنه :
(من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة أو :
يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام
يعاقب بالجلد بما لا يتجاوز أربعين جلدة أو الغرامة أو العقوبتين معا. )
ووجه كثير من خبراء القانون انتقادات لهذه المادة بفقراتها حيث يرى البعض أن نصوصها جاءت فضفاضة وغير منضبطة وغير مجردة وغامضة وتحالف شروط القاعدة القانونية التي يجب توافرها في النص القانوني حيث ترك المشرع السوداني السلطة التقديرية لمزاج الشرطي وجعله هو من يحدد ما إذا الزي فاضحا أم لا عند ممارسته لسلطة الضبط والقبض على المتهمة أو المتهم لأن المشرع لم يعرف بالضبط ماهو الزي الفاضح بل وضع معيار للفعل المخل بالآداب العامة حيث أقر معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل .
واعتبر الخبراء المعياران غامضان لأن الدين الإسلامي مثلا مذاهب شتى وبين علمائه وفقائه اختلافات فقهية على مثل هذه القضايا الفرعية سيما يختلفون على تفسير النصوص القرآنية التي تحدثت عن الزي ولم يتفقون على زي إسلامي واحد . وكذلك أعراف بلد مثل السودان المتعدد في قبائله وثقافته واعرافه فليس هناك زيا واحدا متعارف عليه حتى ترتديه المرأة فيعتبر هو اللبس السائد أو إذا ما كان اللبس الذي يرتديه الفاعل فاضحا أم لا .
مجموعة من الفتيات وقعن ضحية سلطة تقديرية لرجل الشرطة الذي يعتبر في عرفه أو معتقده أن ما ترتديه هذه الاثنى زيا فاضحا بينما يرى القاضي في مرحلة المحاكمة مثلا أن اللبس ليس فاضحا وبالتالي تنال البراءة من التهمة المنسوبة لها بعد أن تقضي ساعات وربما يوما كاملا داخل حارسات الشرطة ما يسبب لها الالاما نفسية سيئة. وهي بالضبط ما حدث في محاكمات سابقة لعدد من الفتيات مثل ويني عمر وهيفاء فاروق بينما ادينت اخريات مثل الفتاة الجنوبية سلفيا التي تعود تفاصيل محاكمتها – التي جرت قبل الانفصال – أنها كانت في زيارة قصيرة للخرطوم قادمة من مدينة جوبا وحسب أقوالها أنها تعرضت لمعاكسة من قبل رجل الشرطة وبعد أن رفضت مجاراته اقتادها إلى قسم الشرطة ودون في مواجهتها بلاغا تحت المادة 152 من القانون الجنائي رغم أنها مسيحية وان عرف بلدها لا يعتبر زيها الذي كانت ترتديه زيا فاضحا.
إذن وحسب الخبراء فإن عبارة (من يتزيا بزي فاضح )التي وردت في المادة تصبح فضفاضة مالم تجري عليها تعديلات تضبطها وتضع تعريفا واضحا لا لبس فيه ولا غموض يعرف البس الفاضح وهي مطالبات تدعمها أصوات من داخل الحكومة نفسها بيد أنها لم تجد استجابة حتى الآن بالرغم من أن مثل هذه المادة ومواد آخرى في القانون الجنائي وقوانين أخرى تشكلت حضورا دائما في تقارير الخبير المستقل لحقوق الانسان في السودان وتعتبر ملفات مهمة في مرافعات المعارضة السودانية أثناء انعقاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف وربما تصبح ملف مهم لمكتب حقوق الإنسان المتوقعة فتحه في السودان قريبا تنفيذا لقرارات المجلس في جلسته السابقة .
الانتقادات لن تطال النص في شقه التجريمي فقط بل حتى في العقوبة التي أقرتها المادة حيث اعتمدت الجلد بما لا يتجاوز أربعين جلدة أو الغرامة أو العقوبتين معا واعتبر البعض هذه العقوبة عقوبة مشددة حيث تركت للقاضي أيضا سلطة تقديرية واسعة في اختيار العقوبة ويمكن أن يقرر القاضي الجلد أربعين جلدة مع الغرامة في مواجهة فتاة فقط لأنها ترتدي بنطال يرى أنه زيا فاضحا حسب معتقده . وبالتالي يكون قد وافق صحيح القانون لأنه إستمع على النص. القانوني الذي نصت عليه المادة 152 . وبرغم ما كشف عنه عضو لجنة التعديلات على القانون الجنائي دكتور عادل عبد الغني عن مقترح دفعت به اللجنة يقضي بسحب عقوبة الجلد (تعزيرا ) من أي مادة في القانون باعتبارها عقوبة مهينة لكرامة النساء والرجال معا وتتنافى مع مبادي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .