آخر الأخبار
The news is by your side.

العين الثالثة .. بقلم: ضياء الدين بلال

(افتراءات) الطيب مصطفى!

-1-

لأكثر من مرَّة يضطرني الأخ الأكبر الطيب مصطفى، للردِّ والتعليق عليه. ورغم اختلاف المنطق والمنطلقات، يكون بيننا دائماً الاحترام والتقدير المُتبادل.
والطيب مصطفى اليوم، ليس هو الطيب بالأمس، الذي كان مُتطرِّفاً في آرائه، ومُتشدِّداً في مواقفه، ومُنغلقاً على قناعاته الصمدية، التي لا يُؤخذ منها ولا يُرد؛ فيخرج رأيه على الورق مُلتهباً بزفراته الحرَّى مرَّ المذاق.
الطيب البرلماني اليوم، اتَّسعت زاوية الرؤية لديه، فاعتدل مزاجه بعض الشيء، وأصبح أكثر قابلية للتعاطي الإيجابي مع مُخالفيه أخذاً وردَّاً. ومع ذلك لا تزال تنتابه حيناً بعد حين، نوبات التطرُّف والعدوان.
من هذه النوبات، افتراؤه الجهير بأنَّني استخدمتُ كلماتٍ جارحة، وتجنَّيت بغليظ القول، وقذفتُ بأسئلتي على وجه الشيخ الجليل دكتور محمد عثمان صالح، في قضية (شباب توك).
-2-
فُوجئت كغيري من القُرَّاء، بهذه الأوصاف التي أطلقها الطيب مصطفى، كأنَّ المقال المنشور على نطاقٍ واسعٍ كتبتُ بعض فقراته بالحبر السري أو بلغة مشفرة!
المقالُ موجود ومُتاح، وعلى الطيب مصطفى أن يأتي لقُرَّائه بكلمة واحدة، تحوي – ولو تلميحاً – ما هو جارح أو مُسيء، أو أيَّ إشارة تحمل دلالة تجنٍّ على الشيخ.
أن نختلف في الآراء ونتباين في المواقف، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ وصحي، أن نفتري على بعضنا ونتجنَّى على غيرنا، فذلك ما يجب أن نترفَّع عن فعله جميعاً.
ولا أحتاج أن أصعد إلى منبر الوعظ، لأقول لأخي الأكبر الطيب مصطفى: تَحَرَّ الصدق، واصدق النقل، ولا يجرمنَّك بعض الشنآن على ألا تعدل وتنصف.
لا تُغيِّر الكلمات، ولا تُحرِّف المعاني، حتى تضع مُخالِفَك في مكانٍ يسهل انتياشه.
ولا تدفع بك الموالاة الفكرية وحمية النصرة، لأن تكون مع غُزيَّة عدواناً وجوراً على الآخرين.
مع ثورة المعلومات وحُمَّاها الخُلاعية، أصبح كثيرون يُمارسون الخفَّة غير المُحتمَلة، فعقولهم في آذانهم وعيونهم، لا يتحرُّون الدقَّة، ولا يُحسنون النقل، ويُصدِّقون كُلَّ ما يُقال.
وحينما ترسخ الأكاذيب في يقينهم، لا تكون لهم قابلية للتصحيح والتصويب.
لذا سيظنُّ من قرأ افتراءات الطيب، ولم يطَّلع على ما كتبت، أنني تعاملت مع الشيخ الوقور بطريقة أسوأ من وئام شوقي!
ما أشبه الليلة بالبارحة!
قبل أكثر من عشر سنوات، كتبتُ في معرض خلافٍ آخر مع الطيب مصطفى الآتي:

(الآخر مهما كان في ضلال ومروق عن الدِّين، فهو مشروع للدعوة بالحُسنى، وليس هدفاً للنفي والإزالة، وإن السودان ملك للجميع وليس مشروعاً حصرياً خاصاً بجهة مُحدَّدة، تملك الحقَّ المُقدَّس والحقيقة المُطلقة).
-4-
وحتى يحكم القارئ بيننا بالحق، سأُعيد الفقرة التي أشرت فيها إلى الشيخ في ذلك المقال، الذي حمل عنوان (المحرضون):
شعرتُ بحزنٍ وأسفٍ وبعضِ الخجل، حينما قرأت تصريحاتٍ منسوبة لرئيس هيئة علماء السودان، الذي شارك في البرنامج، وهو يقول: (تعرَّضتُ لمكيدة وتمَّ جرِّي إلى فخ)!
أين المكيدة وما هو الفخ؟
هل المكيدة أن تُحاور من يحملون آراء مُخالِفة ولو كانت شاذة؟!
هل الفخ أن تُوفَّر لك فرصةٌ إعلاميةٌ لتردَّ بقُوَّةٍ ومنطقٍ على مُخالفيك وتُقنعهم بعدم صحَّة قناعاتهم؟!
وهل أنت الشخص الذي يسهل استدراجه وجرُّه إلى مكانٍ، ما كان يجب أن يكون فيه؟!
كان الأوْلى أن تشعر الشابة العشرينية بالرَّهبة والخوف، وهي تطرح قناعاتها أمام عالم يملك الحُجَّة والمنطق وقُوَّة البرهان.
كان المُتوقَّع أن تشعر الشابَّة بأنها جاءت إلى الفخ، لأنها ستُجرَّد من قناعاتها، وستبدو ضعيفة الحُجَّة أمام عالمٍ مُحيطٍ بفنون الجدال وأدبيات الحوار.
ماذا تعني الدعوة، إذا لم تكن مُحاورة المخالفين وردُّهم إلى جادة الطريق بإقامة الحجة عليهم، وإقناعهم بتعاليم الدين الحنيف؟
انتهى النص.
-5-

لا أزال على قناعة بأن الشيخ أضاع فرصةً لتجريد الفتاة العشرينية وغيرها، من هذه القناعات الحمضية، عبر المنطق والحجج، لا بالاستفزاز.
هؤلاء الشباب يحملون أسئلة مُختلفة عن أسئلة الماضي، ولم تصل قناعاتهم إلى هذه المرحلة من التطرُّف إلا لعدم وجود مُضادَّات منطقية.
شبابنا اليوم تتجاذبُهم تيارَّاتُ التطرُّف، تيارات يمينية مُتطرِّفة، تدفع بهم نحو داعش وبوكو حرام، وتيارات ليبرالية مُتهوِّرة كارهة للذات الثقافي والاجتماعي، وصل بعضها إلى محطة الإلحاد.
-ختاماً-
أخطر ما كشفت عنه حلقة (شباب توك) أمران:

الأول/ أن الدعاة كما أخفقوا في محاورة المُتطرِّفين دينياً، فقد أخفقوا كذلك في محاورة المُتطرِّفين في الضفَّة الأُخرى من النهر، أمثال وئام شوقي وصويحباتها.
الثاني/ بعض الزملاء الإعلاميين -ليس بينهم الطيب مصطفى- كشفوا عن روح عدوانية شرِّيرة، حينما طالبوا بإغلاق القناة أو لوَّحوا للسلطات بذلك.
لا يُوجد إعلاميٌّ أصيلٌ في مهنيَّته، ونظيفُ القلم، وسليم الضمير، يُمكن أن يُطالب بوأد مُؤسَّسة إعلامية.
مع فائق احترامي وتقديري لشيخ محمد عثمان صالح، وللأخ الطيب مصطفى، وتمنياتي لوئام بأن تقترب أكثر من مُجتمعها ولا تغترب عنه

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.