آخر الأخبار
The news is by your side.

 العقل زينة … بقلم: د. هاشم غرايبه

 العقل زينة … بقلم: د. هاشم غرايبه

في البرنامج الوثائقي “هكذا يسير الكون” الذي يبث على احدى قنوات “ديسكفري”، يتناوب بضعة مذيعين رجال ونساء (يشار اليهم عادة على أنهم علماء) على الحديث عن موضوع متعلق بالكون والأرض ونشأتهما، وبالطبع فكل ما يقدم يهدف الى إقناع المشاهد بأمرين: عبقرية العلماء الذين اكتشفوا وفسروا كل شيء وفق نظرية الصدفة وعدم وجود خالق، والثاني، إبهار المشاهد بالصور المصنوعه بتقنيات عالية لتبدو وكأنها التقطت حقيقة بينما هي من رسم الكمبيوتر، ليعتقد بمصداقية ما يتحدث عنه المذيعون.

أنا من الشغوفين بهذه البرامج، رغم أن الحديث فيها لا يقنع إلا البسطاء والجاهلين وقليلي الثقافة (وهم كثر للأسف)، ما يجذبني فيها المهارات التقنية في الرسم وتحريك الصور لتبدو وكأنها حقيقية، لذلك لا تثير فيّ أقاويلهم المنمقة إلا السخرية من سخافة الفكرة، ولا يغريني بسماعها إلا الاستفادة من بعض المعلومات الجديدة علي، لكن الباقي من أحاديث غير ذات جدوى، فهي ليست حوارا أو نقاشا للآراء المتباينة، بل هو كلام معد سلفا، يكمل فيه كل مذيع حديث من سبقه ويؤمن عليه، من هنا فهو تلقيني للإقناع بالفكرة الغبية التي يقول بها الملحدون، وهي عدم وجود الله، والتي يصرون عليها منذ الأزل والى اليوم، رغم أنهم لم يقدموا دليلا واحدا على صحتها.

في هذه الحلقة قدموا معلومة أن علماء الغرب اكتشفوا مؤخرا ما دعوه “النجم النابض”، وهذا مما جذبني الى الاستماع لحديثهم، مراهنا نفسي على أنهم لن يذكروا أنه نفسه “النجم الطارق” الذي ذكره القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا، وبالفعل فلم يخيبوا سوء ظني بهم، إذ ذكروا كل شيء حتى الأساطير اليونانية والصينية، لكنهم تجاهلوا قول القرآن الكريم تماما.

السؤال هل هو عمى أم تعامي؟

القرآن أهم الكتب التي عرفها البشر، وأعظمها انتشارا، ومتوفر بكل اللغات.. فهل يجوز لمن يدعي أنه باحث موضوعي تجاوز أول مصدر ذكر موضوع هذا الذي يقولون أنهم هم من اكتشفوه!؟.

وحتى لو أنكروا أن القرآن كلام الله، ويدّعون أنه من تأليف البشر.. لماذا أسهبوا في ذكر كل من أشار إليه وتجاهلوا القرآن.

أليس ذلك دليلا قاطعا على التحيز بدافع التعصب والعداء الأعمى؟.

فهل يحق لمن يفعل ذلك أن يتبجح بالعلم والتحضر؟.. أليس الشرط الأساس للعالِم هو الموضوعية، والمتطلب الأول للتحضر هو الانفتاح على ثقافة ومعارف الآخر.

إذا فليصمت علمانيونا المطالبون باتّباع الغرب، فهم مثلهم يتبجحون بالفهم والموضوعية، لكن العداء المسبق بفعل التعصب الأعمى ضد الإسلام أغلق عقولهم وأذهب مهاراتهم باتجاهات سلبية، وهي محاولة إقناع الآخرين بما عجزوا عن إيجاد الدليل على صحته، لذلك يحاولون إقناع الآخر بأفكارهم المعلبة، باستخدام ما توصلوا اليه من تقنيات عالية في استخدام الإعلام المرئي والمسموع لدحض الحقائق وتضليل العقول، اعتمادا على إبهارها بالفنتازيا وخداعها بالصورة، بديلا عن طلب الحجة المنطقية.

الحقيقة أن هذه هي العلامة الفارقة لكل معادي منهج الله، ومنذ القدم، وقد وصفهم الله تعالى بالضالين لأنهم انتهجوا المنهج الذي لا يؤدي الى المعرفة الصحيحة، ولذلك دعا لهم رسوله الكريم قديما: “اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون”، لأنهم لجهلهم بما لا يعلمونه يعتقدون أنهم الأعلم والأهدى سبيلا، ولتعاليهم واعتقادهم أنهم الأمثل طريقة يغلقون عقولهم على ما عرفوه، فلا يقبلون له تعديلا ولا تبديلا.

العلم ليس اختراع الطائرة والقنبلة، فهذه مهارات تحقق ربحا وغلبة على الآخر، لكنها لا تختلف في المنتج النهائي عن مهارات الأنعام في التنافس فيما بينها على الفوز بالحصة الأكبر.

كل المعارف التي تحقق نفع الإنسان وتحسين ظروف معيشته علم نافع، ويجب تعلمه، لكن قبل ذلك يجب أن يفهم الإنسان معنى وجوده أصلا ومبتغاه، لأن هذا يفسر تميزه عن باقي المخلوقات، ولماذا منح هذا التميز.

من لم يفهم ذلك، ويرفض أن يفهمه فهو جاهل، ولو امتلك أعلى الشهادات في العلوم التطبيقية، لذلك قال تعالى بحقهم: “أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا” [الفرقان:44].

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.