العصب السابع … بقلم: شمائل النور
الدواء لا يحتمل!
لم يعد خافياً تفاقم أزمة الدواء التي تدرجت منذ انفصال جنوب السودان وخروج النفط الذي أعقبه تراجع حاد في قيمة الجنيه وعلى إثر ذلك توقفت عدد من شركات الدواء الكبرى الأجنبية بسبب شح النقد الأجنبي وفشل سداد المديونية.
ولدرجة ما كان الوضع أفضل من الآن لثبات قيمة “دولار الدواء”، لكن بعد القرارات الحكومية بتحرير “دولار الدواء” العام قبل الماضي، خرج الأمر عن السيطرة، بات البحث عن دواء أشبه برحلة البحث عن كنز، وعلى نحو خاص الأدوية التي ليس لها بديل داخل السودان، وإذا شككت في الأمر ما عليك إلا أن تحمل “روشتة” مكتوب عليها عدد من الأدوية وابدأ بدخول أول صيدلية تقابلك.
بات الدواء رفاهية، هذا بالضبط هو الوصف المناسب.
يونيو الماضي، عدد من شركات الأدوية شكت من ندرة عدد من الأصناف الدوائية مؤكدة خروج أكثر من 200 صنف من الأدوية من الأسواق، واعتبرت أن الوضع غير مطمئن.
ثم شكاوى من بعض أصحاب الشركات من عدم فتح اعتمادات من البنوك، حيث أن البنوك التجارية ترفض منح العملات الأجنبية حتى بعد التصديق من البنك المركزي وتشترط على شركات الأدوية استيراد الدواء ومن ثم توفير العملة لاحقاً.
نقلت “السوداني” أن الصندوق القومي للإمدادات الطبية، تلقى أكثر من (70.000) شكوى من عدم توفر الأدوية بالصيدليات خلال الـ (9) أشهر الماضية، وقال إنه تمكن من الاستجابة لنحو (10.000) مريض منهم وتوفير الدواء لهم.
الصندوق عزا هذه الأزمة لحالة الازدحام والتكدس أمام صيدلية الإمدادات باعتبار أن أدويتها أرخص من الصيدليات التجارية بنسبة 50% إضافة للجودة العالية لأدوية الصندوق.
البحث عن سلعة بقيمة أقل، هذا أمر طبيعي، لكن لا ينطبق على الدواء في كل الأحوال، وخاصة تلك الأدوية المنقذة للحياة. القضية الآن ليست فقط في تراجع وعدم استقرار قيمة الجنيه التي يتحملها المواطن في دفع فاتورة الدواء، هذا إن توفر طبعاً، القضية الأكبر في احتمال توقف شركات أدوية لعدم استقرار قيمة الجنيه، وتلحق بالشركات التي قبلها.
الآن الصورة قاتمة في الصيدليات، ليس فقط بسبب الارتفاع المتزايد في قيمة الدواء بل في عدم توفره.
سوف تتصاعد أزمة الدواء أكثر مما هي عليها الآن وسوف يتوقف المستوردون لأن الوضع الراهن بات غير مطمئن، سوف تحجم الشركات عن أية عمليات شراء إذا لم تتعامل الحكومة مع قضية الدواء باعتبارها قضية لا تقبل الكلام، بل العمل.