الضابط المحاصر: صمود حتى الرمق الأخير
الضابط المحاصر: صمود حتى الرمق الأخير
الخرطوم: سوداني بوست
كان المقدم “نزار” يعلم أن الحرب لن تكون سهلة، لكنه لم يكن يتخيل أن تتحول القيادة العامة إلى حصار دام لشهور وسنتين، بلا طعام، بلا ماء، بلا أدوية، وسط القذائف والرصاص. منذ أن اندلعت “معركة الكرامة”، كان يقاتل مع زملائه دفاعًا عن موقعهم، بينما في داخله حرب أخرى؛ الخوف على أبنائه الذين رحّلهم إلى قريتهم بعيدا عن هول المعارك وصوت الرصاص قبل اشتداد المعارك، والقلق على مصير رفاقه الذين يسقطون واحدًا تلو الآخر.
الأيام الأولى: انتظار طويل في جحيم الحرب
في البداية، كان لديهم بعض المؤن، وبقايا الطعام من الفول والخبز الذي يبس بمرور الوقت، لكن مع استمرار الحصار، بدأ كل شيء ينفد. كانوا يقتسمون كسرة خبز، يتقاسمون ما تبقى من المياه ، ويتحملون العطش تحت شمس الخرطوم الحارقة. الكهرباء انقطعت سريعًا، والاتصالات أصبحت شبه مستحيلة، ولم يبقَ أمامهم سوى الصبر والرصاص.
الإصابات والاستشهاد: وداع بلا وداع
مع كل قذيفة تسقط، كان أحد رفاقه يصاب، وآخر يُستشهد. لم يكن هناك أطباء، ولم تكن هناك مسكنات، فقط ضمادات مصنوعة من الملابس الممزقة، وصبر الرجال الذين يعرفون أن الخروج من هذا الحصار قد لا يكون ممكنًا. عندما سقط الملازم “عادل”، لم يكن هناك وقت للحزن، حفروا له قبرًا بأيديهم، وسط الظلام، بلا صلاة جماعية، بلا وداع يليق بالأبطال.
الليل بلا نوم والأمل البعيد
في كل ليلة، كان “نزار” ينظر إلى السماء، يتساءل متى سينتهي هذا الجحيم. في لحظات السكون النادرة، كان يفكر في أطفاله، هل يفتقدونه؟ هل يسألون عنه؟ هل ستسمح له الحرب برؤيتهم مجددًا؟ لكنه كان يعلم أن دوره لم ينتهِ بعد، فطالما بقي واقفًا، لن يسقط الموقع، ولن يُنسى صمودهم.
النهاية المجهولة
لم يكن يعرف متى سينتهي هذا الحصار، ولا كيف ستكون نهايته. لكنه كان متأكدًا من شيء واحد: أنه قاتل بشرف، دافع عن زملائه، ولم يترك أحدًا خلفه. كان مستعدًا للموت، لكن كان لديه أمل صغير، أنه في يوم ما، سيروي هذه القصة لأبنائه، ليعرفوا أن والدهم لم يخذل وطنه، ولم يهرب من معركته الأخيرة.