آخر الأخبار
The news is by your side.

الحالة السودانية جدل المؤسسة والكارزما من تجارب تأريخ الأنظمة الشمولية

الحالة السودانية جدل المؤسسة والكارزما من تجارب تأريخ الأنظمة الشمولية

كتبها : الفاتح داؤود

من تجارب التأريخ أن المجتمعات التي تنتفض فى وجه الأنظمة الشمولية ، عادة ما تجابه جملة من تحديات الإنتقال الصعبة ، التي تكمن أكبر تعقيداتها فى خلق بيئة سياسية مستقرة ، وتأسيس حالة أمن نسبي يجنب البلاد الإنزلاق نحو العنف ، فضلا عن معالجة تركة النظام السابق بأقل الخسائر ، فالتحدي السياسي يكمن فى كيفية ترسيخ وتعزيز مشروع التحول الديمقراطي ، بإعتباره المنصة التي تنطلق منها مجمل مراحل العملية السياسية .

ويقتضي هذا التحول بالضرورة فحص الآليات السياسية القائمة ، وإختبار مدي فاعليتها فى إنجاز الإنتقال السياسي ، الذي يتم وفق المساءلة و المحاسبة للقوى السياسية التي تتصدر قيادة المشروع إلى جانب القوى المدنية الجديدة ، المنوط بها إكمال عملية التحول الديمقراطي
إلا أن السؤال الملح هل تبدو الأحزاب السياسية التي تتسيد المشهد مدركة لأدوارها السياسية بما يمكنها من تحقيق هذه الأهداف؟ أم هي ذاتها فى حاجة إلى التوعية السياسية؟ .

ولعل هذا الواقع يمثل بكل أسف مأزق الحالة السودانية حاليا .
فمنذ سقوط نظام الإنقاذ في 11 إبريل حتى اليوم ، تبدو الأحزاب السياسية عاجزة عن تقديم أي رؤية سياسية تساهم فى إنجاز عملية الإنتقال. بل بلغ منتهي العجز تصدي رئيس الوزراء لعملية طرح الأسئلة السياسية ، وتقديم المبادرات ، تشكيل آلياتها ، فيما تحولت احزاب الشراكة إلى مقطورة فى المسيرة السياسية .

ولعل من أكثر الأسئلة حيرة للمراقب السياسي ، هل لدي القوي السياسية الفاعلة فى الساحة السياسية الآن ، الإستعداد لإنجاز التحول الديمقراطي؟ و هل بوسعها وإستطاعتها تقديم مشاريع سياسية واضحة ، تطرح من خلالها رؤيتها فى كيفية إكمال عملية التحول الديمقراطي فى البلاد؟ .

أما السؤال الأكثر إلحاحا ، فهو هل تمتلك هذه الأحزاب مراكز رصد وتحليل لدراسة توجهات الشباب فى وسائل التواصل الإجتماعي ، لكي تتعرف على طبيعة الأسئلة والأطروحات التي تسيطر على طريقة تفكيرهم؟.

وأين تكمن أزمة الأحزاب السياسية بالضبط؟ ، و هل هي فى هرم القيادة السياسية والتنظيمية للأحزاب؟ أم فى طبيعة تكوين الأحزاب نفسها ، التي قد تحتاج إلى ثورة داخلية تعيد طرح الأسئلة فى مرجعياتها الفكرية ، ثم الإجابة عليها بالصورة المقنعة للأجيال الجديدة؟ التي لا تجد الإجابة عنها ، و السبب أن القيادات ذات نفسها لا تستطيع الإجابة عليها .

المفارقة أن ثورة ديسمبر ، دون غيرها من الثورات ، قد واجه مسارها الإنتقالي تعقيدات عديدة ، أدت إلى تعميق الخلاف بين أطراف الشراكة العسكر و المدنيين ، رغم أن الوثيقة الدستورية قد تم تأسيسها على المساومة السياسية ، التي شددت على وجوب إحترامها من قبل جميع الأطراف ، كما نادت أيضا بضرورة التناغم والإنسجام بين الجانبين ، وصولا إلى تحقيق أهداف الفترة الإنتقالية ، إلا أن عجز القوي السياسية فى طرح المشروع الوطني وفشل أطراف الشراكة السياسية فى تقديم تصوراتها على طاولة الحوار السياسي والمجتمعي ، قد عمق من الخلاف بين قوى الحرية و التغيير ، بسبب ضيق مواعينها بالديمقراطية .

خاصة وأن القيادات السياسية قد تعودت على اللجوء إلى الوسطاء لمعالجة خلافاتها السياسية ، وقد كرس هذا السلوك إلى عجزها فى مواجهة الرأي العام ، والخروج إلى الهواء الطلق ، ومخاطبة الجمهور مما أدي إلى ضعف الثقة فى قياداتها وطرحها ، وهو ما يعزز فرضية أنها لا تمتلك الإستعداد الكافي لهذا الحوار .

خاصة أن بعضها يخشي من طرح أسئلة التحديث و التطوير فى هذه المؤسسات ، وكما يتجنب البعض طرح الأسئلة المتعلقة بقضايا الفكر و تجديد القيادات ، لأن طبيعة هكذا الأسئلة قد تدفع القيادات التأريخية إلى التواري من الأجيال الجديدة ، وقد إكتفت بعض الأحزاب بإصدار البيانات فقط خوفا من أي حوار ينشب بينها و الأجيال الجديدة ، ربما قد يفضح تواضع قدراتها ، كما تمظهر هذا الخوف فى الخطاب السياسي غير المفهوم ، خاصة القوى السياسية التي لازالت تقف فى عتبة الثورة ، وتعتقد أن كل أسئلة ساخنة ، هي من بنات أفكار الدولة العميقة ، التي فى رأيها ترغب فى التشويش على فعلها السياسي الذي تقوم به من أجل الثورة .
رغم أن مفهوم الثورة قد تغير من مفهوم ينادي ويطالب بعملية التغيير المستمر ، إلى مفهوم يشكل حماية للقوى العاجزة فى المجتمع ، التي لاتستطيع حتى صياغة مشروع سياسي يلتف حوله دعاة التغيير .

وتعلم هذه القيادات علم اليقين أن نظام الإنقاذ قد بات فى ذمة التأريخ ، ولم يتبق منه إلا الثقافة الشمولية ، و لكن السؤال هل تمتلك هذه الأحزاب القدرة على إنتاج ثقافة سياسية جديدة ، يمكن تسويقها بديلا لثقافة النظام السابق؟ أم أنها تتبنى ذات الثقافة الشمولية لكي تحقق بها عملية التحول الديمقراطي؟ وهو مايتجلي بكل أسف فى الثقافة الشمولية ، التي تتبناها بعض الأحزاب دفاعا عن مصالح شخصية وحزبية .

وأن حوار الإنتقال لازال فى محطة النظام السابق دون الحديث عن كيفية إكمال آليات الفترة الإنتقالية ، وترتيبات ما بعد الإنتقال . هكذا هي حالة العجز السياسي .

وليس بعيدا عن ذلك ففى الجانب الآخر من المشهد السياسي ، نجد أن الشباب قد إختار غرف الحوار بصورة كبيرة فى الميديا” وأن الأغلبية منهم قد باتت ناقمة وناقدة للأحزاب السياسية ، بل وخلصت إلى أن الذي يحدث من تعقيدات فى تنفيذ أهداف الثورة ، يعود إلى معوقات داخل الأحزاب السياسية ، وقد كان الأجدر بهذه الأحزاب حضور هذه النقاشات ، وإدارة حورات مفتوحة ، لإقناعهم أن ليس هناك ديمقراطية دون أحزاب ، ولكن يبدوا أن هذه الأحزاب غير مستعدة للمواجهة ، للأسف أن قيادات الأحزاب تؤكد أن ليس لديها إهتمام بالأجيال الجديدة ، و لاترغب الدخول فى أي حوارات ، لأنها فى هذه المرحلة تبدو مشغولة بالسلطة وتوزيع الغنائم السياسية . ولعل الصراع الذي يحدث داخل قوى الحرية و التغيير حول المحاصصات ، ولم ينتقل إلى مربع جديد ، يجسد هذه الأزمة بإمتياز ، خاصة وأن هنالك ثمة رؤية تتحدث أن معظم الأحزاب السياسية السودانية يمينا ويسارا ، إعتمدت تأريخيا على الزعامة و الكارزما الشخصية للقيادة ، التي تطرح الأسئلة وتجاوب على التساؤلات ، وقد ملأت هذه الشخصيات الفراغ السياسي الذي عجزت النخب فى ملأه ، وأيضا يمكن القول أن هؤلاء كانوا يعطلون بروز أي أطر قيادية من عضوية الحزب حتى لا تزاحمهم فى مركز القيادة . فى كل الأحوال يمكن القول أن دور الكارزما أصبح إرثا ثقافيا سياسيا تنتظر عضوية الحزب أن يقوم به الشخص الذي يجلس على قمة الهرم .

رغم أن كل الشخصيات التي كانت تدير العملية السياسية منذ الخمسينيات و الستينيات قد رحلت ، وأن ثورة ديسمبر ، جاءت لكي تنهي عصر الكارزما .

فهل الأجيال الجديدة قادرة ، على أن تجعل للمؤسسية دورا ، أم هي نفسها تكتفى بالبكاء على الأطلال وتتحجج بالدولة العميقة؟ ، إن التأريخ لا يرحم و على الأجيال الجديدة أن تبدأ مشوارها فى عملية الإصلاح داخل الأحزاب السياسية إذا كانت راغبة فعلا فى عملية التحول الديمقراطي فى البلاد .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.