آخر الأخبار
The news is by your side.

الاختلاف في تحديد شهر رمضان

الاختلاف في تحديد شهر رمضان

  بقلم: د. هاشم غرايبه

يعتقد الجاهلون أن الخلاف بين المسلمين في تحديد بدء شهر رمضان وانتهائه، يعود لاعتماد التقويم القمري، وهم يظنون أن التقويم الشمسي أدق ولا مجال فيه للإختلاف.

في حقيقة الأمر كلا التقويمين دقيقين وبالدقة ذاتها، لأنهما مبنيان على حركة أجرام المجموعة الشمسية ودورانها حول الشمس، ويمكن حساب الأيام والشهور بدقة بالغة، لأن تلك العلاقات دقيقة محكمة، وجعلها الله كذلك كواحدة من آلاف النعم التي أنعم الله بها على البشر الذي سخر لهم كل ما في الكون لكي يعرفوه بها: “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الجاثية:13].

ذوو العقول القاصرة عن فهم أن كل هذه الدقة والاحكام في ضبط هذه العلاقات، لا يمكن أن تكون حدثت ذات مرة عشوائيا بلا موجد، ولا يمكنها أن تنضبط بذاتها بلا ضابط، هؤلاء اعتقدوا أن حساب الأيام والشهور والسنين ابتدعها الإنسان، واصطلح عليها البشر، لكنهم لو فكروا قليلا لوجدوا أن حركة الأرض بالدوران حول نفسها هي التي حدت الليل والنهار، وتواليهما حدد اليوم، وحركة القمر حولها بانتظام ودقة حدد الشهر، ودورانهما معا حول الشمس هو ما حدد السنة.

إذاً فمن السخف القول أن السومريين أو الصينيين أو غيرهم هم من وضعوا التقويم الفلكي، فهذه حددتها قوانين الطبيعة (السنن الكونية)، فوجدها الإنسان وعرفها، ولم يمكن له تعديلها ولا ايجاد بديل لها، لذلك فمن حدد التقويم لحساب الزمن هو الخالق ذاته: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ” [التوبة:36].

إذاً، وطالما أن كل شيء متعلق بحسابات الزمن دقيق ومحكم، فماذا الخلاف؟.

لفهم ذلك يجب أن نعود الى زمن الدعوة ونزول القرآن الذي فرض فيه صيام رمضان، كواحد من أركان الإسلام الخمسة، في ذلك الزمن لم يكن التقدم العلمي للبشر قد توصل الى صنع المراصد الدقيقة التي ترصد مواقع الأفلاك بدقة، فكانت العين المجردة هي الوسيلة الوحيدة لتحديد بدء الشهر وانتهائه من رؤية تولد الهلال، والذي هو فلكيا يعني بداية انتهاء المحاق، الذي يعني عمليا وجود القمر والأرض والشمس على خط واحد، فلا يرى قاطنوا الأرض منه الا الجانب المظلم، وأول رؤيه له تكون بعد غروب الشمس في فترة لا تزيد عن 25 دقيقة ، لذلك من الصعب توافق أهل الأمصار المختلفة على الرؤية بالعين المجردة، من هنا توافق الفقهاء على جواز الاختلاف بينها في تحديد مطلع الشهر.

لكن لأن شهر رمضان جعله الله لأجل تحصيل المؤمن التقوى، فمن كانت نيته صادقة باتباع ما أمره الله به، لا يتأثر هذا بتقديم هذا الشهر يوما أو تأخيره، فلا ينال الصائمون إثما إن تبين لهم أن بدء شهرهم أو انتهاؤه كان خاطئا، بل الإثم على من يتولون أمرهم في عدم تحري الدقة أو الحيف المقصود، لذلك فلا يخشى المؤمنون الذين صاموه إيمانا واحتسابا أن تنالهم معرة بغير علمهم جراء الخطأ في تقدير الشهر.

السؤال المهم: الآن وقد أصبح العلم قادرا وبدقة تامة على تحديد بداية كل شهر مسبقا بالحسابات الفلكية، لماذا يقبع المسلمون في حيرة ولا يتفقون، بل يظلون أسرى دوامة الشك في كل عام؟.

أنا أعتقد أن ذلك مقصود، وأسبابه سياسية بهدف الشرذمة وإبقاء الخلافات والتفتيت، وليست شرعية، وإلا لماذا تتمسك الأنظمة بتفسير “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” أنها تعني الرؤية العينية، ولا تقبل جواز الرؤية باللجوء الى الأجهزة التقنية، فيما هي تتقبل رفع الأذان بناء على الساعة (والتي لم تكن موجودة زمن التنزيل)، بل كانت الأوقات تحس بناء على الزوال، أي (موقع) الشمس؟، بل وتجيز اللجوء الى الأجهزة التقنية في نقل الشعائر الدينية الأخرى!.

ندعو الله تعالى أن يوفق الساعين لعودة ديار المسلمين الى الحكم بموجب منهج الله القويم، ويتقبل منا الطاعات ويديم علينا نعمه ظاهرها وباطنها، وعلى رأسها الإيمان، وينصر المجاهدين والصابرين المرابطين، وكل عام وأنتم بخير.

ولأجل نوالنا جميعا الأجر، ستنحصر مقالاتي في هذا الشهر الفضيل على التأمل في كتاب الله الكريم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.