إنتفاضة توريت و النواة الأولى للثورة الشعبية الجنوبية..!!
إنتفاضة توريت و النواة الأولى للثورة الشعبية الجنوبية..!!
بقلم: بيتر يوانس مقوك “قادقوانديت”
توريت يا مصنع الرجال ..
فيك الملهم العظيم الذي تعتز به الأجيال ..
فالإنتفاضة التي تمت على أرضك لم تكن في وحي الخيال ..
و إن ما خاضته أجداد الأشبال ..
توريت يا معقل الثوار الأحرار ..
و يا منجب الأبطال الأخيار ..
ففيك لم نرى وقتها سوى البشار ..
الذي حمله وقتها أبناء الجنوب الأكارم ..
بعد عزيمتهم و انتصارهم على المظالم ..
و دحرهم للمجاهدين المصارم ..
في مثل هذا اليوم موافق 18/8/ 1955 انتفضت فرقة إستوائية جنوبية، في منطقة “توريت” بشرق الإستوائية جنوب السودان.
و قوام الفرقة المنتفضة كان 1747 فردا، بقيادة ملازم الأول ” ليناردو لوكيا”. و كان السبب يرجع لتوجيهات القيادة العلياء لجيش في العاصمة الخرطوم، بنقل الفرقة الإستوائية التي كانت تتكون من أبناء جنوب السودان إلى شمال السودان كمركز جديدا لهم.
و إن هذا القرار لم يرحب به قادات الفرقة الإستوائية، ولا حتى أفراد الفرقة الذين كانوا جميعا سودانيين جنوبيين، مما صعب الامور وقاد إلى تدهور الوضع الأمني في المنطقة.
و يؤمن قادات الفرقة وقتها بأن هنالك خططا من الحكومة المركزية بتصفيتهم والتخلص منهم إن سمعوا و أنصتوا على تلك التوجيهات التي أعطت لهم و أعطتهم بضعة أيام لمغادرة المنطقة و اخلاءها لبعض الفرق العسكرية التي كانت تتكون جميعها من شمال السودان.
و إن تلك التدهورات و التغلبات الأمنية في المنطقة لم تصمت لوقت طويل في الهدوء و إن المعاملة السيئة للضباط الشماليين مع الجنود الجنوبيين سهلت الوضع و مهدت الطريق لتفاقم الوضع و الانفلاتات الأمنية في المنطقة. مما جعلت الفرقة الإستوائية الجنوبية تنتفض ضد ضباطها الشماليين، الذين أساءوا التصرف و المعاملة مع افرادها بطريقة ظهرت كالإستفزازا لهم و تحقيرا من ضباط الشماليين لهم.
و أصبح ملازم الأول ليناردو لوكيا، قائدا للفرقة الإستوائية الجنوبية و زعيما للانتفاضة التي أعلنتها لاحقا الحكومة المركزية كتمردا من السودانيين الجنوبيين في منطقة توريت بالشرق الإستوائية. و أرسلت الحكومة التعزيزات العسكرية لاحقا لتحارب ما سمته بتمردا، و إن إخماد نيرانه قبل تفاقمه أمرا يجب حسمه قبل فوات الأوان.
و لكن لم تنجح تلك المحاولة ولا حتى أفلحت في شيء، لأن أفراد الفرقة الجنوبية كانوا يستخدموا معهم ما يعرف ب”حرب العصابات”. الذي يعتمد فيه المحارب لمبدأ المفاجئ ضد العدو و خوض الحرب معه بعدد قليل من الجنود. مما جعلهم يستطيعون خوض الحرب ضد القوات الحكومية لبضعة أشهرا في الأدغال الإستوائية.
و عندما أستمرت الحالة و زادت خطورة في الإقليم الجنوبي الإستوائي، لجاءت الحكومة المركزية إلى الحكومة البريطانية لإيجاد حلا لهذا النزاع الجديد. و فوضت الحكومة البريطانية الحاكم للسودان السيد “هلم نوكس” للتوسط بين الحكومة و الفرقة الإستوائية بقيادة القائد ليناردو لوكيا و بعض الساسة الجنوبيين، الذين كانوا موجودين في العاصمة الاتحادية الخرطوم.
و نجحت الوساطة البريطانية في إجاد حلا سلمي بين الحكومة و جماعات الفرقة، و اتفقا بوقف إطلاق النار بين المجموعتين. و منحت هذه الوساطة للأفراد الفرقة الجنوبية بالعودة الي الخرطوم و الخدمة في الأماكن الأخرى في البلاد.
و إستوعبت الحكومة بعض الأفراد في الفرقة الجنوبية، و على رأس هولاء القائد ليناردو لوكيا. و ذهبوا به إلى العاصمة الخرطوم بغرض تنفيذ بعض البنود التي اتفق عليها في الوساطة. و لكن لم يفلح ذهابه إلى الخرطوم في شيء ولا حتى قامت الحكومة بتنفيذ ما أتت به الوساطة كما اتفقت عليها، و عندما لاحظ ملازم الأول ليناردو ذلك التباطؤ حاول أن يخرج من الخرطوم. الا أن تلك المحاولة لم تنجح معه و ألقت الحكومة القبض عليه و سجنه و من ثم قتله بدم بارد.
و فور سماع اغتياله من رفاقه من قبل الحكومة المركزية، عادت جل القوات إلى الأدغال الجنوبية مجددا لتحارب القوات الحكومية في المنطقة. و أستمرت الحرب تدار بين الحكومة و قوات الفرقة في المنطقة و تطورت القضية و انتشرت في أنحاء الجنوب. مما جعل الكثير من الجنوبيين ينضمون إلى اخوتهم المنتفضون و يحاربون معا العدو الذي كان يحاول أن يحتل موطنهم الأصل.
و عندما أجتمع الجنوبييون و أتوا تحت مظلة واحدة قاموا بإعادة تشكيل الحركة و تأسيس حركة متمردة جديدة تحت اسم “أنيانيا وان” في عام 1963م.
تلك كانت هي بدايات التحرير و الكفاح الوطني الجنوبي، و ولادة الوعي القومي للشعب السوداني الجنوبي. وإن رموز الثورة الأولية في مقدمهم القائد ليناردو لوكيا مطلق الشرارة الأول في مدينة توريت، و من ثم يليه بعض الساسة و القيادات العسكرية الجنوبية أقري جادين، السلطان فيلمون مجوك، الزعيم جون بؤث ديو، سترلينو لاهورو، كلمنت مبورو و القائد فؤل ويلؤوث، و غوردن مورتات، الجنرال جوزيف لاغو..الخ و القائمة طويلة.
#ملهمة_توريت_18_8_1955م..!
#قادقوانديت..!!