آخر الأخبار
The news is by your side.

إذا المصالح ما جمعتكم المطامع بتفرقكم

إذا المصالح ما جمعتكم المطامع بتفرقكم

بقلم: سعد محمد عبدالله

ذكرني العِراك والتناطح الحاصل في الساحة السياسية السودانية وإنهيار الإقتصاد وإضمحلال الأمن وتفكك النسيج الإجتماعي في ظِل إصرار البعض علي التمترس خلف مواقف سياسية إقصائية تظهر تنمرًا غليظاً علي الآخر، وهنالك عدم إستشعار للمخاطر الوجودية المحدقة بهذه البلاد والمهددة لبقاء شعبها، ونحن نتوسط عالم طامع ومتغير وشريط إقليمي مضطرب جداً من القرن إلي الساحل الافريقي.

ورغم ذلك لا نجد إستجابة لمشاريع ومبادرات التحول السلس إلي واقع جديد يضمن فيهِ الجميع موقعهم دون إقصاء طالما الحديث عن بناء دولة عدالة وسلام وحرية، وتذكرت هنا المقولة المهمة والملهمة التي أطلقها الرفيق القائد مالك عقار اير عضو مجلس السيادة الإنتقالي ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال مخاطبًا جمع متنوع من الساسة والمثقفيين في مأدبة عشاء أقيمت بمنزل الرفيق القائد أحمد العمدة حاكم إقليم النيل الأزرق قائلاً “إذا المصالح ما جمعتكم المطامع بتفرقكم”، وقد كانت مقولة مثيرة للتأمل وصالحة للتعميم علي المشهد السوداني إذا نظرنا خلف ما تحملهُ من مضامين وأبعاد سياسية عميقة وتتطابق مع واقع إقليم النيل الأزرق والسودان ككل، والمصالح الوطنية المشتركة كثيرة لكن البعض يركزون علي ما يفرق الناس أكثر من الأشياء التي تجمهعم، ونقرأ تقاطع المطامع الداخلية المقترنة بالمطامح الخارجية أو “العكس صحيح”، وفي كل الأحوال نضع تلك العبارة للنقاش الموضوعي في جميع المواقع.

لقد كان خطاب القائد مالك عقار في ذلك اليوم مختلفًا تماماً عن المعهود من حيث المفردات والعبارات ولونية المنهج الذي استخدم لإيصال رسائل للمثقفيين والسياسيين والمهتميين بمناقشة قضايا المجتمع؛ فقد أفرد مساحة معتبرة للتذكير بتاريخ نساء جميلات وملهمات جملن أحبار أقلام الشعراء وجعلن من أصوات المغنيين تلين وترن أوتارهم الرائعة بأسمائهن ونضالاتهن في الحقب الماضية.

وكان بين الناس إحداهن، وتحدث عنها باعجاز وإعجاب شديدين، وعن آخريات بلسان أديب ومثقف نوراني عالٍ الكعب ومحب للجمال وحافظ للتاريخ ولديهِ رؤية للمستقبل، ولكنهُ أيضاً عرج ومزج حديثهُ بنقد صريح لواقع السودان مشيرًا لمثيري خطاب الكراهية والعنصرية ومن يسعون لتقسيم مجتمعات الإقليم لأحلامهم وأجندة الآخريين، وجميعهم ضحايا المطامع والمطامح، ثم أردف القول بوصايا الأباء والأدباء والحكماء مع حنكة سياسية كبيرة متحدثاً بعبارة “إذا المصالح ما جمعتكم المطامع بتفرقكم”، وظلت تلك العبارة المثيرة عالقة في ذهني بينما أحاول قراءة إنعكاسات مشاعر الحضور وهم في مجلسهم يتقاذفون سهام الأنظار ويتمتمون بأحاديث لم أفهمها، في محاولة لإستجماع شظايا أفكارهم وتحليل كل ما يقع من كلمات علي مسامعهم، ألهم في تلك الأمسية المثيرة يفهمون العبرة بينما الأبرة تخنق الحلاقيم، وفي باطن الليل الكثير مما قِيل وما لم يُقال بعد.

منذ ذلك الوقت، ورغم رهق السفر من أولو إلي باو والدمازين، ومشاهد كثيرة تتزاحم في مخيلتي وتتملكني وتثير الأسئلة والإستفهامات كما هو حال رفاقي الذين كانوا يتجاذبون الحديث عن المشكلات السودانية التاريخية والمعاصرة وآمال الشعوب المطهدة والمهمشة في شتات الريف والمدن المريفة وتطلعات النازحيين واللاجئيين، ومعادلات بناء السودان الجديد.

ولكني في الوقت ذاتهِ لم ألتقط أنفاس السفر حتى جلستُ مع نفسي طويلاً، آخذاً في التفكير بشأن ما قالهُ القائد مالك عقار في ذلك المحفل “إذا المصالح ما جمعتكم المطامع بتفرقكم”، والسؤال هنا عن أي مصالح وأي مطامع؛ أعتقد هنالك من يستطيعون الإجابة، ولكن ما يهمنا الآن كيف نوحد أنفسنا وبلادنا، ويجب تحليل تلك العبارة قياساً وإسقاطًا علي الواقع المتأزم المُعَاش في كل بقاع البلاد.

ولا أظن أن واقعنا السياسي والإجتماعي والإقتصادي والأمني يحتاج لتفاسير وتحليلات أكثر مما يحتاج لتفكير خارج المألوف لإيجاد حل يجنبنا الإنقسام والتشرزم والإرتهان لإرادة قوى آخرى، ويحتم علينا الواقع السياسي السوداني أن نتحمل مسؤلياتنا ونتقدم الصفوف بنضج لنضع مصالح شعبنا وبلادنا في مقدمة أولويات أجندتنا بغية العبور الآمن إلي دولة السلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والإقتصادية من أجل إستشراف المستقبل.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.