آخر الأخبار
The news is by your side.

تداعيات … بقلم: يحيي فضل الله .. خوجلي عثمان و ذاك الخنجر

تداعيات … بقلم: يحيي فضل الله .. خوجلي عثمان و ذاك الخنجر

حمي الانتظار, لا بل، قل هذيان الانتظار , من هنا كان ينظر الي حيث متوقع ان تأتي , لا تحيد نظراته ابدا عن الطريق الذي يتوقع ان تأتي منه ,اخرج منديلا من جيبه, راح يمسح العرق من علي جبينه ادخل المنديل اخرج منديلا اخر مسح به هذه المرة علي الجزمة بعناية فائقة تؤكد استعداده التام لهذا اللقاء و ادمنت نظراته التجول حول ذلك الطريق هكذا كان……. ، اعذروني , كنت اريد ان احكي عن ( ود فرج الله ) و لكن , ها هي ملامحه تضيع مني و الراديو يعلن في صبيحة هذه الجمعة 11 نوفمبر من العام الرابع و التسعين يعلن الراديو ان احدهم, مجرد احدهم, قد قتل الفنان المغني ( خوجلي عثمان) ليلة الخميس , بدار اتحاد الفنانين و الفنان (عبد القادر سالم ) يرقد بالحوداث متاثرا بطعنات خنجر القاتل و هانذا لا استطيع الامساك بتلابيب السرد, تتقاذفني علاقات اللاجدوي، احس بانني مرتبك الي حد ما ,تسيطر علي ذهني صورة لا استطيع ان اتجاوزها ، صورة ذلك الصقر الذي حط علي شجرة النبق التي في منزلنا, حط ذلك الصقر في هذا الصباح فطارت مرعوبة ازواج من القماري , بمخلب رجله اليسري تناول ذلك الصقر من احد الاعشاش فرخا صغيرا كان قبل قليل يستدفئ بامه, نظراته جشعة كان الصقر, لم يكتف بذلك بل , حمل معه فرخا اخر بمنقاره الحاد و طار، كنت اراقب ذلك و لا املك حتي القدرة علي هشه من الشجرة , كنت اراقب ذلك بحياد، حياد من اصيب في مقتل.

(( يا روحي هاجري و فتشي
شوفي عاد كان تلقي شئ ))

عاد الكاتب الدرامي العظيم( صموئيل بيكيت ) صاحب (في انتظار جودو) الي ايرلنده موطنه في اجازة قصيرة بعد انتهي من دراسته الجامعية بفرنسا ، جاء و في باله ان يستمتع باجازته, لم يكن يتوقع ان يحدث له ما حدث و من حيث لا يدري ضاعت اجازته علي سرير المستشفي , شخص غريب لا صلة له مطلقا به لا تربطه به ادني عداوة ، جاء هذا الشخص و طعن (صموئيل بيكيت) بخنجر, انغرز ذلك الخنجر في جسد ذلك الكاتب الذي كان وقتها شاب يتحسس طريقه الادبي ,اهتم( صموئيل بيكيت ) اهتماما شديدا بامر هذا الشخص الغريب و اصر ان يلتقي به, حين تم ذلك اللقاء سأل (بيكيت ) ذلك السؤال الذي عذبه طيلة ايام المستشفي
(لماذا فعلت بي ذلك؟)
رد ذلك الشخص الغريب علي تساؤل (بيكيت) العميق و بحياد معلن
(لا لشئ )
و هنا اسمحوا لي ان اسودن هذا الرد الغريب ( ساكت )
من هذه الحادثة الغريبة , احس (صموئيل بيكيت) بلا جدوي الحياة ,احس بالعبث الذي لون كل كتاباته الروائية و المسرحية و كان ذلك الخنجر الذي انغرز في جسده ( ساكت) بمثابة تحول فلسفي عميق، يقول هذا الكاتب العظيم واصفا حياة الانسان
( حياة الانسان ثلاث ظلمات ظلمة الرحم مرورا بظلمة الحياة وصولا الي
ظلمة القبر )

(( يا روحي هاجري و فتشي
شوفي عاد كان تلقي شئ
مهما مهما عذبني المشي
عندي زول بقي كل شئ ))

يا ايها الاعزل الا من الشعر و الاغنيات
هل بالامكان ان نحلم باغنية جديدة؟
ما اقسي ان تحبس تلك الدندنة في اوتار الصمت الابدية
آه لو كنت تملك قدرة ان تمنع دمك من مغبة فعل الاندلاق؟

(( اسمعنا مره بس اسمعنا مره
الدنيا تبقي ما فيها مره
و الكون يلالي بهجة و مسره
حن في عمرنا عارفنو مرا
و ان قلت لا لا هم و استمرا ))

قبل الروح تروح، لو كان ذلك الخنجر الذي انغرز في عنق الكاتب العربي الروائي الكبير (نجيب محفوظ) لو كان لذلك الخنجر ذاكرة لعرف كيف يتفادي تلك
القامة العالية التي هي نجيب محفوظ
آه لو كانت الاسلحة تمتلك ذاكرة
يبدو ان العالم يتجرد متخذا شكل الخناجر سكاكين، فؤوس، هراوات، قنابل،
بنادق، طوابير من القتلي، و زحام من القتلة، دماء وقنابل، قاذفات لهب كيماويات و وبائيات، وساوس و ممنوعات.

(( فآجاتني الخناجر
ذات قمر
ناري التي اشتعلت
صيرتني رماد ))

تري هل يمكن ان نتصور شكل قاتلنا الجديد؟
هل بالامكان ان نصف ذلك القاتل الذي يخطف الروح؟
هكذا بغتة تذهب التساؤلات نحو اجاباتها التي فقدت قدرتها علي النطق ,علي
الحركة ،علي حيوية ان تصمد امام التساؤلات , لذلك يظل الموت قادرا تماما
علي تنويع المفأجات.
مزق عبد القادر الجريدة و انحرف مزاجه عن العمل , شتاء يتسرب خفيفا
في تفاصيل يوم الجمعة ,11 نوفمبر من العام الرابع و التسعين, السوق الشعبي
امدرمان, الدلالة, كاد ان يفقد حيويته, لا زالت المايكرفونات تعلن عن اسعار
اللحوم ، انفعالات و ضجة تلتف حول معني موت المغني ( خوجلي عثمان )
مجموعات من البشر تتناثر هنا و هناك في شكل حلقات نقاش حول الامر
احد اكشاك المرطبات حاول ان يستثمر الحدث فبحث صاحبه عن شريط
ل(خوجلي عثمان) فانساب ذلك الصوت المسالم من خلال جهاز التسجيل ليختلط
بكل ضجة السوق و اختلافاتها الحميمة حول مقتل المغني.

(( ما بنختلف
علمني بس
قانون هواك
بحفظ حروفو
حرف حرف ))

وقف ( حمد ود ام برمبيطه) امام ذلك الكشك، لم يشتر شيئا و لكنه بدلا عن
ذلك انحدرت دموعه و اختلطت بعرق وجهه الطيب.

((شفاف
زعلك بشفق
و شوفتك شفاء
و بعترف ))

هنا مسح ( ود ام برمبيطه) وجهه بطرف العراقي المتسخ و تهدج ببكاء حارق
و تحرك من امام الكشك لا يلوي علي شئ.
يقول الشاعر (صلاح عبد الصبور) في نهايته مسرحيته (مسافر ليل).

(( في يده خنجر
و انا مثلكم اعزل
لا املك الا كلماتي ))

و هانذا اخاف من حلمي بان تكون للاسلحة ذاكرة و ذلك حتي لا تتحقق
رؤية الشاعر (ايمن ابو الشعر) حول محاكمة ذلك الخنجر.

(( يبرأ خنجر القاتل
و تشنق جثة المقتول ))

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.