آخر الأخبار
The news is by your side.

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر ..  مبادئ دستور السودان الدائم

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر ..  مبادئ دستور السودان الدائم

يستمد هذا الدستور اسسه من الفطرة السليمة التي فطر الانسان عليها ، وعلى راسها غريزة حب البقاء التي ولدت في الانسان نزعة التوافق مع البيئة الطبيعية والاجتماعية للحفاظ على الحياة واستدامتها ومن هذه الفطرة نزعة الانسان الطبيعية الى العدل بكافة اشكاله وتقلباته وذلك كاخلاق عليا ألهمها الانسان.

ومن هذه الفطرة كذلك نزوعه الطبيعي للتطور الذي ظل يدفعه للخروج من حالة التخلف السحيق الى حالة التقدم المذهل ، وذلك مما يدل عليه خط تطور الانسان الصاعد في سلم الارتقاء بغير توقف ولا تراجع.

ولئن خرجت قلة من الناس على نزعة الانسان الكامنة للعدل والعدالة ، فانحرفت بالقوة الفائضة عندها الى احتكار الثروة والاستبداد بالسلطة ، فان المستضعفين ، وهم الكثرة سيردون المستقوين عليهم الى جادة العدل والعدالة ، وذلك من خلال نضالهم الطويل في سبيل استرجاع حقوقهم ، وفق قانون دفع الناس بعضهم ببعض ، لذلك فان ظواهر الاحتكار الراسمالي للثروة والاستبداد السياسي بالسلطة لابد ان تزول كما زالت من قبلها ظواهر العبودية والاقطاع والملك العضوض ، وبخاصة في التاريخ الاوربي.

وفي اتجاه خط التطور الصاعد ظهر الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتوابعه من الصكوك الدولية ، ولكنها قد مضى عليها حوالي سبعين عاماً فلم تعد وافية وكافية بحاجة الانسان المعاصر ، فقد ركز ذلك الاعلان وتلك الصكوك على حقوق الافراد ازاء تعسف الدولة ، واغفل حقوق الشعوب في نظام دولي اكثر مساواة بين الدول ومجموعاتها ، وفي نظام اقتصادي عالمي اكثر توازناً من حيث التبادل الحر للاتصالات والمعلومات ، والاعتماد المتبادل للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ، وفي نظام امني منزوع السلاح النووي واسلحة الدمار الاخرى والاسلحة الثقيلة ، هذه الحقوق الاساسية للشعوب شرط اساسي لتحقيق حقوق الانسان الفردية ، سواء السياسية والمدنية ، او الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

تلك حقوق الانسان كفرد عالمي في المجتمع الدولي ، واما حقوقه كفرد مواطن داخل الدولة فتقتضي مفهوماً موسعاً ومعمقاً لحق الحياة وحق الحرية ، وهما قوام سائر حقوق الانسان الاخرى ، فحق الحياة في هذا الدستور الانساني انما هو حق له قدسيته وحرمته ،فليس حق الحياة هو مجرد الابقاء على الحياة ، وانما هو بجانب ذلك توفير حد الكفاية للانسان، وهو ارفع من حد الكفاف ، كما هو منفتح على حد الرفاه وذلك باشراك المواطنين القادرين على الانتاج في صنع الثروة ، وفي التوزيع العادل لعائداتها بحيث لا تتفاوت الدخول الدنيا عن الدخول العليا ، تفاوتاً صارخاً يولد الطبقية في المجتمع.

واما حق الحرية فله القدسية او الحرمة نفسها ، يستمدها من كرامة العقل الذي تميز به الانسان عن سائر المخلوقات، ومن ذلك حرية التفكير التي لا تنفصل عن حرية التعبير ، ثم تاتي حرية التنظيم لتستقطب الناس حول هذه الافكار والبرامج ،وهذه وتلك الحريات لا تضيق بالراي الاخر ولا بالفكر الحر ، وانما تكون المواجهة من جنس مبادئ الحرية وهي الحوار الفكري الذي يقرب بين وجهات النظر.

وحق الحياة يرتبط بالنظام الاقتصادي ، فلا هو اقتصاد السوق المطلق الذي يهيمن فيه القطاع الخاص على النشاط الاقتصادي ولا هو اقتصاد التخطيط المركزي الذي يهيمن فيه القطاع العام على حركة الاقتصاد ، وانما هو اقتصاد مختلط لكل من القطاعين العام والخاص دوره الذي لا يستطيع ان يقوم به القطاع الاخر ، كما ان الدولة تدفع بالاقتصاد في مستوياته الادارية ، المحلية والولائية والاتحادية ، كتنظيم متكامل يستجمع مدخرات القواعد الشعبية في مصارف تعاونية ليوظفها في النشاط الانتاجي والاستهلاكي الخالي من المخاطر.

وحق الحرية يرتبط بحرية المجتمع المدني ، المكون من النقابات والاتحادات والقوى المنظمة الناشطة في العمل الاجتماعي والطوعي وذلك باشراكهم في صنع القرار المؤثر على استراتيجيات الدولة ، وذلك وفق ترتيبات سياسية وتنظيمية بجانب المجتمع السياسي المكون من الاحزاب التي تتداول السلطة.

وحق الحرية يرتبط كذلك بمرجعية التشريع ومصدرية التعليم ، بحيث يستمدان من الهوية السودانية ، بتعدديتها الدينية والعرقية، فلا اغلبية او اقلية في شرعية الحقوق والحريات العامة.

وحق الحرية يمتد الى طبيعة السلطة فهي سلطة مدنية ، فلا هي عسكرية تفرض ارادتها على الشعب بالقوة ، ولا هي دينية او طائفية او عنصرية وتقف السلطة على مساحة واحدة من جميع مكونات الهوية السودانية.

وحق الحرية يؤثر على نظام الحكم والادارة ، من حيث اكثرها ديمقراطية فالنظام الرئاسي ذو التفويض الانتخابي من الشعب افضل من النظام البرلماني بتفويضه البرلماني ، والادارة الفيدرالية هي التي تلائم النظام الرئاسي وتحقق الاستقلال الاداري والمالي للولايات عن السلطة المركزية ، كما ان تدعيم الحكم المحلي يمثل شكلاً للديمقراطية المباشرة القريبة من القواعد الشعبية.

وحق الحياة وحق الحرية معاً لهما تاثير مباشرة على حقوق المواطنة فلا يكفي ان ينص على مساواة المواطنين بغير تمييز بينهم بسبب الدين او العرق او النوع ، او القانون ، وانما ان تاخذه هذه المساواة مضمونها في المساواة في الخدمات الاجتماعية ، والبنيات التحتية والتنمية المستدامة وسائر فرص التقدم بغير تمييز بينهم كأفراد او جماعات او فئات او مناطق سكنية.

والحقان في الحياة والحرية يكادان ان يكونا حقاً واحداً ، مثل وحدة الكيان البشري من جسد وعقل ، وهو ما يعطي مفهوماً اكثر وسعاً وعمقاً للديمقراطية ، فهي ليست قاصرة على الديمقراطية (المساواة) السياسية ، وانما تمتد بالضرورة الى الديمقراطية (المساواة) الاقتصادية ، ثم تجئ الديمقراطية (المساواة) الاجتماعية، كثمرة للمساواتين لتشكل المتساويات الثلاث المضمون الواقعي لحق الحياة وحق الحرية.

وتاخذ السياسة الخارجية او البيئة الخارجية ، محدداتها من السياسة او البيئة الداخلية. فالسعي لبسط الامن والسلم في سائر اقاليم البلاد ، يمتد الى العمل على حفظ الامن والسلم اقليمياً ودولياً ، ورفع الاهتمامات الاقتصادية على ما عداها من اهتمامات ينعكس على سياسة خارجية تدعم السياسية الداخلية بجذب الاستثمارات الخارجية من سائر المجموعات العالمية لاستخراج الثروات الطبيعية ، وهذا يقتضي النأي عن سياسات المحاور العسكرية اقليمياً ودولياً ، والتخطيط الاستراتيجي لتحويل السودان من دولة احادية القطاع الاقتصادي الى دولة متعددة القطاعات ، بما يلحقها بالدول الصاعدة التي لها نظائر في منطقتنا.

وهذا يقتضي سياسة خارجية تدعم هذا التوجه الذي سيعيد رسم الخارطة الاقتصادية لتندمج في الاقتصاد العالمي وفق سياسات الاعتماد المتبادل ، وهذه الخارطة الاقتصادية الجديدة تقوم على انشاء قطبيات تنموية متعددة في البلاد ، لها عواصم اقتصادية متعددة.

في العهد الديمقراطي الكامل المقبل لابد من الاخذ بمبدأ اداء الواجبات جنباً الى جنب مع اقتضاء الحقوق ، فتقوم السلطة بواجباتها ازاء المواطنين ، والتي هي حقوق لهم عليها ، ويقوم المواطنون بواجباتهم المستحقة وهي حقوق للسلطة عليهم.

هذا الدستور الانساني ، على الرغم من محليته ، يمكن ان تمدد خطوطه العامة لتصلح كقواعد للقانون الدولي ، وذلك انه منظم حياة شعب مركب الهوية ، على خلفية تاريخية تحمل الانسان المعاصر جينات حضارية متراكمة ، من اقدم حضارات العالم هي الحضارة النوبية التي كانت متميزة بالانفتاح الحضاري في المنطقة وعن الحضارة المسيحية ، ثم الحضارة الاسلامية حتى الطور الراهن بتفتحه الثقافي على العالم، كما ان الهوية السودانية تتميز في بعدها الاخلاقي بالتسامح الديني والتعايش العرقي ، جراء الانصهار العرقي لعنصري الزنوجة والعروبة.

روبرت وليم اسكندر
المرشح القومي المستقل لرئاسة الجمهورية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.