آخر الأخبار
The news is by your side.

مخلفات النظام البائد .. سدا عطبرة وستيت.. حمولة الثورة الثقيلة

مخلفات النظام البائد .. سدا عطبرة وستيت.. حمولة الثورة الثقيلة

الخرطوم: ندى رمضان

ورثة كبيرة ومثقلة من الفساد والتجاوزات المالية والإدارية والأخلاقية خلفها نظام الإنقاذ البائد، تضع وزراء الحكومة الانتقالية أمام تحديات جسام، نتيجة للآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي انعكست على المواطنين سلباً، فأضحوا ينشدون العدالة والقصاص وينادون بإنزال العدالة الاجتماعية، ويطالبون بالقصاص بعد عمليات التشريد والتهجير الذي طال مدنا بأكملها؛ بحجة تنفيذ وإقامة السدود، من خلال هذه القضية سلطتنا الضوء على ملف (مهجري سدي عطبرة وستيت) لفضح عمليات الفساد الذي تم تحت دعاوى تنفيذ المشروع (الفرية).

تجاوزات وتنصل:
إدارة تنفيذ السدود فشلت – بحسب تجمع مهجري سدي عطبرة وستيت – في الالتزام بعملية التهجير التي صاحبتها كثير من الأخطاء في عملية الحصر والإحصاء، والتي أدت الى سقوط عدد من الأسر وحرمانهم من استحقاقاتهم في التوطين وتسجيل مزارعهم وحواشاتهم، وإن أكثر من (15) ألف مواطن موزعين علي (55) قرية قبل بدء عملية الترحيل تم توطينهم في (11) مدينة سكنية في ولايتي القضارف وكسلا، تفتقر للخدمات الاساسية، بعد نزع أراضيهم الزراعية دون تعويض، ليطل السؤال الحتمي: لماذا لم توف مفوضية التوطين بالتزامها الخاص بتشييد مباني المهجرين بحسب المواصفات التي قطعتها وحدة تنفييذ السدود، والمتمثلة في (غرفتين و سور سميك من البلك والأسمنت المسلح والمرافق الثابتة بجانب إقامة الطرق المسفلتة والمدارس والمراكز الصحية بحجم السكان). لكن ما حدث غير ذلك بل، خدع المهجرون بمبرر ساقه منسوبو النظام البائد لإجبارالمهجرين على التنازل عن حقوقهم الأساسية من أجل المصلحة العامة والوطن.

ماهية المشروع:
مشروع سدي أعالي عطبرة وستيت عبارة عن سدين على أعالي نهر عطبرة و نهر ستيت ببحيرة واحدة، ويقع على بعد (450) كلم شرق العاصمة الخرطوم، ويبعد حوالي (80) كلم جنوب خزان خشم القربة، و(30) كلم من مدينة الشواك عاصمة محلية الفشقة. بدأ العمل في تشييده في مايو من العام 2010 م، واكتملت الأعمال الإنشائية وبدأ التشغيل في الثاني من فبراير من العام 2017. وتتمثل الأهداف الرئيسية للمشروع – بحسب مسوغات الحكومية – في تقليل الطمي المتراكم علي خزان خشم القربة، وتخزين المياه لإستعمالها لري مشروع حلفا الزراعي، ولمعالجة مشكلة مياه الشرب بولاية القضارف، بالإضافة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية بإنشاء مشروع أعالي عطبرة الزراعي، وتوفير الطاقة الكهربائية.

تجاوزات واسعة:
القيادي بتجمع سدي عطبرة وستيت مظفر عبد الكريم، قال: إن تحفظاتنا الأولية على قيام السد تمثلت في عدم إشراك المواطنين باعتبارهم أصحاب المصلحة، وقصر الأمر على مجموعة من المنتفعين ونصبوا أنفسهم كلجنة للتهجير تم تكوينها بعد تقديم فروض الولاء والطاعة للنظام السابق، هذه اللجنة وعدت بتوفير المساكن إلا أنها لم تفعل، وكنتيجة حتمية؛ تم تشريد أعداد كبيرة من الأسر في العراء، وبعد احتجاج المتضررين قامت حكومة الولاية بإعادة توطين (196) أسرة فقط، ليبقى (20) ألفاً من المتأثرين دون مأوى.

وقال مظفر هذا الإجراء يثير الشكوك، خاصة أن هنالك قرى أقل تأثراً بقيام السدود والبحيرة إلا أنها هجرت، وأضاف: هذا الواقع يؤكد أن وحدة تنفيذ السدود قامت بالكثير من التجاوزات في الخطوات الخاصة بالتسجيل والتعويضات، نسبة لاستعانة إدارة السدود في بداية عملها باللجان الشعبية لحصر المتأثرين من السدود بغرض تعويضهم وإعادة توطينهم، وهذا الأمر مكن أشخاصا لهم علاقة بالنظام الحاكم وإدارة السدود من التلاعب بقوائم المتأثرين من ملاك الأراضي بالإضافة إلى إجبار المواطنين على تسديد مبلغ(300)جنيه كرسوم حصر، ولاحقاً رفضت إدارة السدود الاعتراف بنتائج ذلك الحصر بعد اكتماله، وأعادت عمليات الحصر مرة أخرى) ليطل السؤال لمصلحة من ذهبت جملة هذه الرسوم ومن المستفيد؟.

إجراءات تعسفية:
وكشف مظفر عن توزيع وحدة تنفيذ السدود لمبلغ (1000) جنيه للمواطنين المتأثرين كتعويض ورسوم انتقال قبل عملية التهجير بأكثر من عام، مستغلة بذلك الظروف الاقتصادية السيئة للمواطنين، واستدرك: إن ذلك الإجراء كان عقب موسم زراعي فاشل، مما دفع المواطنين لإستلام المبلغ مع إلزام المواطنين بتوقيع إقرار يخلي مسؤولية وحدة السدود عن أي ضرر متوقع، إلا أن مواطنين تصدوا لهذا السلوك الإجرامي وقتها، وقال مظفر: بعد مرور أسبوعين من تاريخ التوقيع، تم التعامل مع المواطنين الذين عارضوا هذا الإجراء بطريقة أمنية أدت إلى تنفيذ اعتقالات واستدعاءات لمكاتب الأمن، طالت الكثيرين، لتضاف هذه الانتهاكات إلى الصفحة السوداء لمنتفعي النظام.

فساد مقنن:
ونوه القيادي بتجمع مهجري سدي عطبرة وستيت، إلى أن حكومة المؤتمر الوطني البائدة نفذت المشروع بتمويل من صناديق الإستثمار الخليجية والحكومة الصينية والبنك الإسلامي للتنمية بجدة بتكلفة كلية بلغت (1,150) مليون دولار، لكنها لم توظف في تنفيذ المشروع، وإنما ذهبت غالبيتها لمصلحة منتسبي الحزب الحاكم، بالتنسييق مع عدد من الشركات الصينية، بينما تولت الاعمال الاستشارية شركة الأمير الألمانية و التي سبق أن ادينت بقضايا متعلقة بالفساد، مما قاد البنك الدولي إلى وقف التعامل معها لمدة (7) سنوات، وأشار إلى أنها ذات الشركة التي تولت المسؤولية الأستشارية لبناء سد مروي لتكتمل الحلقة الشريرة للمفسدين.

ويقول مظفر عبد الكريم: “عند بداية حصر المهجرين في العام 2010م حضرت لجنة من التهجير القسري وحصرت كل المهجرين بالقرى وقطعت اللجنة وعودا بتمليك كل أسرة منزلا متكاملا وحواشة ومشروعا إعاشيا؛ هذا بالإضافة لتكلفة الترحيل إلى القرى الجديدة، لكن كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح و أصبح الواقع عبارة عن منزل به غرفتان فقط من الزنك و(الاكسبندا) وسور غير ساتر وحمامات بلدية غير صحية، ما اضطر المستطيعين لاجراء تعديلات للمنازل لتليق بالسكن الادمي، بيد أن مجموعات كبيرة من الأسر اضطرت للانتقال إلى المدن المجاورة بحثا عن أوضاع أفضل.

وفي صعيد ذي صلة، أشار عبد الكريم لتورط معتمد الفشقة في تجاوزات بتوزيع (تراكتورات) زراعية بعد وصولها لمخازن السدود، ليتم توزيعها على المهجرين، لكن المعتمد قام بتوزيعها على آخرين وكان يفترض أن تملك للجمعيات الزراعية حسب اتفاق مسبق.

تقارير رسمية:
وبالإضافة لاشكالات التهجير وما لحق بها من فساد وتشريد، رصدت تقارير رسمية مخاطر عديدة لانشاء سدى أعالي عطبرة وستيت، وحصرتها في تلوث مياه الشرب واختلاطها بالصرف الصحي بعد قيام البحيرة، حيث غمرت المياه أكثرمن (25.000) مرحاض بلدي وعشرات المقابر، فأصبحت هناك مشكلة حقيقية في توفر المياه الصالحة للشرب خصوصاً في المناطق المحيطة بالبحيرة وتلك التي رفضت إدارة السدود تهجير سكانها. إضافة لأزمة عدم وصول الإمداد المائي لعدد من قرى المهجرين، وانقطاعها لفترة تصل أحياناً شهراً كاملاً. كما أثر الفساد وعدم الشفافية في استمرار معاناة المواطنين في الحصول على المياه الصالحة للشرب، خاصة بمنطقة ود الحليو، و تشير الميزانية الحكومية إلى صرف مبلغ (27) مليون جنيه لتوصيل المياه النقية للمنطقة، دون أن يطبق ذلك الأمر على أرض الواقع، أو يعرف مصير الأموال العامة التي خصصت لذلك الغرض.

استيطان الأمراض:
هذا بالإضافة لانتشار الكثير من الأمراض خاصة في فصل الخريف، كمرض الملاريا والكوليرا، التي أطلقت عليها الجهات الحكومية السابقة اسم الاسهالات المائية والتي راح ضحيتها (20) مواطناً فى تلك المنطقة، حيث سجلت منطقة ود الحليو تسجيل أول حالة إصابة بمرض الكوليرا بالسودان، بالإضافة إلى أمراض السل والتهابات الجهاز التنفسي والهضمي، وسط غياب تام لدور الحكومة في تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتوفير المستشفيات والمراكز الصحية المؤهلة، الأمر الذي جعل المواطنين يعتمدون علي الحملات الشعبية لمقاومة تلك الأمراض؛ خاصة مرض الكوليرا، وأيضا أدى تمدد مياه البحيرة إلى انتشار البعوض والذبابة الرملية والثعابين والعقارب السامة، التي زحفت من المناطق التي غمرتها المياه إلى مساكن المواطنين في بحثها عن المناطق الجافة، ما عرض المواطنين إلى خطر لسعاتها.

وفي ذات السياق أشارت ذات الدراسة إلى أن قيام السد يؤدي إلى فقدان فرص التعليم لأعداد كبيرة من الأطفال، بسبب نقص المعلمين في المناطق التي تم التهجير إليها ونقص المدارس في المناطق التي لم يتم تهجيرها، بجانب الأضرار النفسية الناتجة عن فقدان الممتلكات غير المنقولة لأعداد مقدرة من المهجرين خاصة النشاط الاقتصادي المرتبط بمناطقهم الجغرافية التي غمرتها البحيرة.

مطالبات مشروعة:
وأشار مظفر لتمسك المهجرين بالتعويض العادل والمجزي لكل الذين نزعت أراضيهم لصالح قيام المشروع وتبسيط الإجراءات وإلغاء الرسوم التى تفرض لإستحقاق التعويضات.

وتخصيص مساحات مقدرة من الاراضي الزراعية المروية المقترحة لقيام المشروع الزراعي للمتأثرين من سكان المنطقة، حتى لا يفقدوا نشاطهم الاقتصادي الاساسي المتمثل في الزراعة والموازنة بين فوائد الاستثمار الاجنبي في الزراعة ومصالح المواطنين والمحافظة على البيئة والتنوع النباتي و الاحياىي، بإعادة النظر في الاتفاقية الإطارية الخاصة المجازة من المجلس الوطني، والتي بموجبها منحت الشركات السعودية الحق في الزراعة بالمشروع لمدة (99) عاما.ً

ونوه إلى ضرورة إعمال الشفافية في كل ما يتعلق بإجراءات بناء السدود و الإتفاقيات الموقعة مع الجهات الممولة و المنفذة للمشروع و الإتفاقيات الموقعة مع المستثمرين الزراعيين مثل الحكومة السعودية و الشركات السعودية و ذلك خلال نشر هذه الإتفاقيات و تمليك المواطنين المعلومات الصحيحة حول هذا المشروع ،وتوفير المياه الصالحة للشرب للمواطنين ومعالجة مشكلة تلوث المياه واختلاطها بالصرف الصحي و الأهتمام بصحة البيئة، توفير المدارس والمعلمين المؤهلين للحد من تسرب التلاميذ من المدارس واعداد الفاقد التربوي، العمل على تقوية النسيج الاجتماعي والبعد عن النظرة العنصرية الضيقة بتصنيف المتأثرين على اساس اثني وعنصري، إصدار السياسات المناسبة لمنع تفتيت الأسر و العشائر بحيث أن يتم تهجيرهم لنفس المناطق ومعالجة الإخفاقات التي تمت في هذا الشأن، ومحاسبة المتورطين في الفساد وغياب الشفافية الذي أثر علي حياة عشرات الآلاف من المواطنين بالاتصال بالمنظمات القانوية المتخصصة لتوعية الرأى العام عن آثار قيام السدود فى تلك المناطق و تقديم تظلمات المواطنين للمحاكم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.