آخر الأخبار
The news is by your side.

مُثَاقفة  … بقلم: د. عاطف الحاج سعيد  .. معرض الخرطوم للكتاب وأُفق العالمية

مُثَاقفة  … بقلم: د. عاطف الحاج سعيد  .. معرض الخرطوم للكتاب وأُفق العالمية

ستُطْلَق النسخة الخامسة عشر من معرض الخرطوم الدولي للكتاب مساء يوم الغد (الخميس)، وهو موعدٌ سنوي للمُثَاقفة ينتظره عشاق الكتاب والمعرفة في السودان بكثير من الشوق والأمنيات. علينا أن نقر بدءاً أن صفة الدولية التي تلحق باسم المعرض لا دعامة تسندها إذا ألقينا نظرة على دوراته السابقة. أرى أنه من أوجب واجباتنا، ونحن نستشرف افقاً وعهداً جديداً، أن تصبح هذه الصفة حقيقيةً لما فيها من فوائد ترجى ومكاسب تنال. سأدون في هذا المكتوب ملاحظات حول خمس مسائل أرى أن إعمال النظر فيها ومعالجتها سيدفع بالمعرض نحو الدولية المرتجاة.

المسألة التنظيمية
تكفي نظرة خاطفة على الموقع الالكتروني لمعرض الخرطوم الدولي للكتاب لندرك أن هناك مشكلة تنظيمية تقعد بالمعرض من أن يرتاد أفق العالمية. يمثل الموقع الالكتروني نافذة يطل من خلالها الناشرون والقراء على الخدمات التي يقدمها المعرض، يبحث الناشرون فيه عما يقدم لهم المعرض من حوافز وتسهيلات وخدمات تدفعهم للمشاركة، ويبحث القارئ فيه عن قوائم المطبوعات التي ستباع في المعرض وكيفية الوصول إليها وعن الفعاليات الثقافية والفنية المصاحبة للمعرض، لكن الموقع، الذي يتسم بتصميم باهت وتحتاج جُلّ روابطه للتحديث، يقدم القليل ويضنّ بالكثير. تمتلك معارض الكتب الدولية مواقع الكترونية جاذبة وتطرح تطبيقات الكترونية تجيب على جميع تساؤلات رواد المعرض المفترضين وتجعل من عملية ارتياد المعرض نزهة ثقافية وترفيهية يسيرة وممتعة.

ايجار أجنحة العرض
من المسائل المزعجة والتي قد تمثل عقبة لبعض دور النشر المحلية والإقليمية في ارتياد معرض الخرطوم مسألة ارتفاع ايجار جناح العرض إذ يبلغ ايجار المتر المربع لكامل فترة المعرض 100 دولار، وتبلغ مساحة الجناح المتوسط حوالي 12 متر مربع، ما يعني أنّ على الناشر دفع حوالي ألف ومائتي دولار (84 مليون جنيه تقريباً)، بناءً على ذلك يجب على الناشر أن يبيع حوالي ثمانمائة كتاب صغير ومتوسط ويدفع قيمتها كاملةً ايجاراً للجناح. تُقرأ هذه الكلفة مقرونة مع تكاليف أخرى يتحملها الناشر مثل كلفة ترحيل المطبوعات وتنقله الشخصي واقامته مضاف لها الكلفة الأساسية لطباعة الكتاب واعداده للنشر!

المنع والمصادرة
من الممارسات الشائهة والراتبة في معرض الخرطوم للكتاب حظر ومصادرة بعض الكتب استناداً على مادة في قانون المصنفات الفنية والأدبية تتيح للرقيب إعمال سلطاته إذا شعر أن المصنف ينتهك “قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا” وهي عبارات فضفاضة وتفتح باباً للأهواء الشخصية ولأمزجة موظفي الرقابة لأنها حمالة أوجه ويمكن لكل شخص أن يُلبسها لبوسه. وأظن أن مسألة الرقابة والمنع أصبحت بلا جدوى مع التطور التكنولوجي الذي يسرّ تبادل ونشر المطبوعات في صيغها الالكترونية بصورة تجعل اخضاعها للرقابة في عداد المستحيلات. على الرقابة أن تدرك كذلك ألا خطر من المعرفة أيّاً كان مصدرها، فالقارئ ليس قاصر بالضرورة وليس متلقٍ سلبي، بل يحاور النص الذي يقرأه وينتقده لينتج معناه الخاص مسنوداً بمكتسبه المعرفي والثقافي والنفسي وتمثلاته للعالم.

حقوق الملكية الفكرية
يمثل الانتهاك المنظم لحقوق الملكية الفكرية وانتشار الكتاب المزور ممارسة شائعة وعلنية في معرض الخرطوم للكتاب تضر بسمعته أيّما ضرر. والمؤسف أن الرقابة على المصنفات تنشط فقط في مسألة مصادرة الكتب التي ترى أنها مخالفة للمشروع الكيزاني وتغض الطرف عن انتهاكات الملكية الفكرية. تفرض كل معارض الكتب المحترمة على أي ناشر يرغب في بيع كتاب صادر عن دار نشر أخرى أن يبرز توكيلاً مكتوباً من هذه الدار تفوضه ببيع الكتاب خلال أيام المعرض المعني وفي غياب هذا التوكيل لا يحق له البيع ويعتبر منتهكاً لحقوق الملكية الفكرية.

مشاركة دور النشر الكبرى
يدرك كل مرتاد لمعرض الخرطوم للكتاب أن كبريات دور النشر العربية تحجم عن المشاركة فيه. سبب هذا الاحجام هو أولاً التضييق على الحريات ومخاطر المصادرة والمنع ثم ثانياً ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية مقارنة بالجنيه السوداني الأمر الذي يجعل أسعار مطبوعات هذه الدور لا تتناسب مع القوة الشرائية للقارئ السوداني، إذ يبلغ متوسط أسعار مطبوعاتها حوالي عشرة دولارات للكتاب صغير الحجم أي ما يعادل حوالي سبعمئة ألف جنيه سوداني! لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن معرضاً للكتاب لا تشارك فيه دار الآداب ودار الساقي والدار العربية للعلوم ناشرون ودار العين والمركز الثقافي العربي ودار الفارابي وغيرها من كبريات دور النشر العربية التي تُصْدر جُلّ المنتج الأدبي والفكري عالي القيمة هو معرض للطابعين وليس للناشرين. الطابع لا يهمه جودة المحتوى ولا بهاء الماعون لأن مؤلف الكتاب يدفع له قيمة الطباعة كاملة (Self-publishing) ويمنحه حق تسويق الكتاب وبيعه مقابل أن ينال الكاتب، في أفضل العقود، حوالي 20% من قيمة المبيعات، بينما يتكفل الناشر بكامل تكلفة الطباعة والنشر على أن يمنح الكاتب نسبة من الأرباح متفق عليها، لذا يراهن الناشر على جودة الكتاب وعلى قيمته المعرفية والجمالية ليضمن تسويقاً جيداً يسترد على أساسه تكاليف الطباعة ويحقق ارباحاً مناسبة.

الإقليمية أولاً
أظن أن الملاحظات التي دوناها فيما سبق يمكن معالجتها ضمن خطة تسويقية متخصصة تستشرف افاقاً جديدةً للنهوض بمعرض الكتاب والصعود به إلى مصاف الفعاليات الثقافية المحضورة اقليمياً وقارياً دون استعجال للعالمية أو لتحقيق الربح التجاري. ومن المعلوم بداهةً أن الجامعات والمراكز البحثية تمثل أكبر مستورد ومستهلك للكتاب في افريقيا، والسودان بموقعه الاستراتيجي الذي يصل ثلاثة فضاءات لغوية في افريقيا (العربية والانجليزية والفرنسية) يمكن أن يصبح المورد الأكبر للمراجع الجامعية بتحفيزه لكبرى دور النشر الغربية للمشاركة في المعرض وبتقديمه لكثير من التسهيلات والحوافز لعمداء المكتبات في الجامعات الافريقية لارتياد المعرض تحديثاً لقوائم مكتباتهم، ويمثل هذا الأمر خطوة كبيرة نحو العالمية المرتجاة!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.