آخر الأخبار
The news is by your side.

تسريب حميدتي يجدد المخاوف من خطورة “الدعم السريع” على السودان

تسريب حميدتي يجدد المخاوف من خطورة “الدعم السريع” على السودان

بقلم: محمد مصطفى جامع

حدثان اثنان شغلا الجمهور السوداني على مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الـ48 ساعة الماضية وما تزال تداعياتهما مستمرة حتى الآن، الأوّل منهما وفق الأسبقية الزمنية.. تسجيل مسرّب لخطابٍ منسوبٍ إلى عضو المجلس السيادي محمد حمدان دقلو “حميدتي” أمام عدد من أفراد قواته المثيرة للجدل، والثاني.. التصريحات الصحفية غير المتوقعة التي أدلى بها الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج محمد في حواره مع قناة أمدرمان الفضائية يوم السبت الماضي. سنعود إلى تصريحات علي الحاج في مقالٍ آخرٍ، ولكن سنتوقف هنا مع تسريب دقلو الذي يتصدر اهتمامات السودانيين لما فيه من إفادات غير مسبوقة.

غضبة حميدتي في قرّي

في التسجيل الصوتي المسرّب، بدا الفريق أول محمد حمدان دقلو غاضبًا جدًا من أفراد قواته لأنهم هربوا من الخدمة العسكرية بحسب توبيخه لهم، ويشير حميدتي ضمنًا إلى أن مكان لقائه بالجنود هو قاعدة منطقة قرّي العسكرية الواقعة شمال العاصمة الخرطوم، وللمفارقة فإن الرئيس المخلوع عمر البشير كان قد زار المعسكر المذكور بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة ضده! ولا عجب في ذلك فقد كان البشير يأمل في تلك الأيام أن تتدخل قوات حميدتي في اللحظة المناسبة من أجل حمايته والتنكيل بالشباب الثائرين، إذ إن المليشيا متهمة بالتورط في قتل أكثر من 200 مواطن سوداني إبان ثورة سبتمبر/ أيلول من العام 2013، ولذلك يُقال أن المخلوع عمر البشير كان عندما يلتقي قائد الدعم السريع “حميدتي” في الفعاليات المختلفة يبادر إلى مداعبته قائلاً: “حمايتي”، أي الرجل الذي يحميني.

في الحديث المشار إليه، يصب دقلو جام غضبه على جنوده الـ600 حسب تصريحه، ويقول إنهم خذلوه بهروبهم من التدريب ومغادرة المعسكر، مضيفًا: الخذلان والخداع لم يأتِ من الجنود فقط، بل من الذين أتوا بهم من دون أن يوضح مَن هُم، ولكن من الواضح أن ربما يشير إلى ضباط كبار من قادة القوات المسلحة أو حتى من فلول النظام البائد. ملوحًا بفصل 130 ضابط من ضباط القوة، وكل من يتهاون من الأفراد.

كما ألمح حميدتي إلى سحب القوات من اليمن كاملة عندما قال إنه كان مشغولاً طيلة الفترة الماضية بحرب اليمن لكنه الآن متفرغ، ولم يكرر ذات العبارة الممجوجة “قواتنا باقية في اليمن من أجل أمن الحرمين الشريفين”، ومضى في تهديداته لأفراد القوة بأنه سيركز على متابعتهم خلال الفترة المقبلة وسيشرف حتى على صرف مرتباتهم الشهرية!

الإساءة للمجلس السيادي واستنساخ تجربة البشير

لعلّ حمديتي لم يكن يتوقع أن يتم تسريب حديثه هذا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، إذ زعم أنه لا يتشرف بكونه عضوًا في المجلس السيادي، ولا حتى بوجوده في السلطة الانتقالية، مرددًا نفس مزاعم الرئيس المخلوع عمر البشير حيث عدّل حميدتي عبارته السابقة بأنه موجود في السلطة حتى لا تتمزق البلاد! وكرر نفس الألفاظ والشعارات الدينية مثل أن “الدعم السريع”، قوة تعمل من أجل بسط العدل والحق وأنها تملك خزائن الأرض من الأموال الطائلة لأنها تعمل على حماية المواطن وأمنه.

كما هددّ قائد المليشيا باعتقال أحد القادة الكبار الهاربين “دون أن يذكره بالاسم”، وتحدّث عن أن قواته مستهدفة بسبب وجود أكثر من 1000 بلاغ عن أشخاصٍ ينتحلون صفة “الدعم السريع” في داخل الخرطوم فقط. وهذا بالطبع ما لن يصدقه أحد، فقد كان الأولى من دقلو أن يعترف بتفلتات أفراد قوته، واعتداءاتها على المدنيين العزل طالما اعترف بتفاقم ظاهرة الهروب من معسكر القوات الخاصة.

إخفاء الكدمول داخل المدن

بعد أن انتهت الكلمات التقريعية، وجّه محمد حمدان دقلو عددًا من الملاحظات لأفراد قوته، ومن بينها عدم ارتداء “الكدمول” داخل المدن، والكدمول هو عبارة عن غطاء للوجه والرأس يرتديه البعض في ولايات دارفور للوقاية من الأتربة وحر الشمس، بجانب أنه عمامة للزينة والبهاء عند بعض القبائل، قبل أن ينتشر بعد بداية التمرد في الإقليم بصورة أكبر وأوسع نطاقا مما جعل الصورة تتغير فأصبح كل من يرتديه إما متمرد أو من اللصوص وقطاع الطرق أو الخارجين عن القانون نظرًا لاستغلال كثير من أفراد العصابات، الكدمول في تغطية معالم الوجه وبالتالي صعوبة التعرف عليهم.

انتهى حديث حميدتي الغاضب أمام مجموعة من وحدة القوات الخاصة التابعة لمليشيا الدعم السريع بمعسكر قرّي شمال الخرطوم العاصمة، ويمكننا أن نتوقّف مع جملة من الملاحظات في سياق حديثه وهي:

– أول الملاحظات تسريب المقطع الصوتي نفسه ووصوله إلى الجمهور العام، فلو كان أفراد القوة منضبطين لما قام أحدهم بتسريب هذا المقطع الذي كشف أسرارًا عديدة.
هروب أعداد مقدرة من أفراد القوات الخاصة التابعين للدعم السريع، وإن لم يذكر الأسباب التي دفعت إلى هروبهم هل تأخر الرواتب أم أن هناك أسبابًا أخرى. ولكن المهم في الأمر أن هناك هروبًا بأعدادٍ كبيرةٍ، وهذا ما يفسر حجم الغضب في حديث دقلو.

– الهروب نفسه ينذر بالخطر الشديد على أمن البلاد واستقرارها، فهذه القوة بحسب التسجيل تلقّت تدريبات عسكرية متقدمة على يد خبراء أجانب، فما الضمان أن الهاربين من الخدمة يمكن أن يتورطوا في انتهاكات جديدة تضاف إلى السجل السيء للدعم السريع؟ خاصة إذا كان الهاربون قد استولوا على أسلحة قبل مغادرتهم.

– يتحدّث قائد الدعم السريع عن حصر القوات وتحديد أماكن وجودها، مشيرًا إلى تدوين أكثر من 1000 بلاغ في مواجهة المليشيا داخل الخرطوم لوحدها، صحيح أنه حاول التخفيف من اللهجة بقوله “انتحال صفة الدعم السريع”، لكن كان من الأحرى أن يعترف باستمرار التفلتات في صفوف قواته. لأن فرضية الانتحال لا يصدقها أحد فمن الذي يمكن أن يجرؤ على انتحال صفة قوة ضاربة هي الأولى حاليًا بلا منازع؟ لو كان 3 أو 4 بلاغات يمكن أن تكون معقولة، لكن حميدتي تحدث عن 1000 بلاغ مرة واحدة داخل ولاية الخرطوم فقط.

– عبارة ” لا أتشرف بالمجلس السيادي” التي ذكرها، فيها تحقير واستهانة بأعضاء المجلس السيادي من المدنيين والعسكريين، والعبارة تعني أيضاً الكثير من عدم الاحترام لعقول سامعيه، فالقاصي والداني يعرف طموحات حميدتي وتعطشه للسلطة، لدرجة أنه منح نفسه صفة “نائب رئيس المجلس السيادي” رغم أن الوثيقة الدستورية لا يوجد فيها هذا المنصب “رئيس وأعضاء فقط” ولم يصدر أي قرار رسمي بهذا، لكن غرور دقلو لم يسمح له بأن يكون عضوًا عاديًا كالمدنيين ال6 في المجلس وباقي الأعضاء من العسكريين، فأوحى إلى المنصات المتعددة التي تروج للدعم السريع وله شخصيًا باستخدام صفة “نائب رئيس المجلس السيادي”، ومن هناك انتقلت الصفة الجديدة إلى الأجهزة الإعلامية التي يمتلك فيها وجودًا جيّدًا بفعل شبكة العلاقات العامة وهو ينفق عليها بسخاء شديد.

– رغم التهديدات التي أطلقها دقلو في حديثه مثل قوله “ح أفلتركم، وما محتاج ليكم، وأمشو الشارع”، فإنها لا تدل على أنه يتحدث من موقع القوة بل تشير إلى الضعف والخوف من المجهول، فإذا كانت صفوة قواته تخالف تعليماته وتهرب من الخدمة العسكرية فكيف ستكون تصرفات القوة العادية وهي الأكثر عددًا بطبيعة الحال.

– الذين يعتقدون أن الهروب الكبير لأفراد الدعم السريع من الخدمة سببه تأخر الرواتب يُذكّرون بأن مجموعاتٍ تنتمي للمليشيا سبق وأن اعتدت عدة مرات على متاجر وممتلكات أهالي منطقة الجيلي القريبة من معسكر قري، وعلى محال تجارية بعدة مناطق في محلية بحري عندما تأخرت رواتبهم من قبل، مما يشكل تهديدًا أمنيًا مخيفًا.

– نشير إلى أنه لم يصدر تعليق رسمي حتى الآن من الدعم السريع أو الجيش أو المجلس السيادي على التسريب المنسوب إلى حميدتي، ولكن الأرجح أنه صحيح تمامًا لأن الصوت هو صوته المميز وكذلك أسلوب حديثه، ولذلك لم يستطع الناطق الرسمي باسم الدعم أن ينفي صحة التسجيل.

الشيء الآخر أن التسجيل الصوتي يؤكد أن الدعم السريع لا يمكن أن يكون بديلًا عن القوات المسلحة السودانية، وأن يحل محلها حتى وإن تم إضعاف الجيش وإهماله في السنوات الأخيرة بتعليماتٍ مباشرةٍ من الرئيس المخلوع عمر البشير الذي فضّل صناعة الدعم السريع لتكون ورثيةً لمليشيا الجنجويد ذات السمعة السيئة في دارفور، ولكنّ الأولى استمرت في ذات الطريق الذي رسمته مليشيا الجنجويد المتمثل في ارتكاب المجازر والتورط في أعمال العنف والانتهاكات ضد الإنسانية.

يبقى التحدي الأكبر أمام حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وقوى الحرية والتغيير هو كيفية التعامل مع الوضع الشاذ للدعم السريع، وكيفية لجم طموحات قائدها، فهي الخطر الأكبر حاليًا ومستقبلًا أمام التحول الديمقراطي المنشود بعد نهاية الفترة الانتقالية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.