آخر الأخبار
The news is by your side.

منمنمات … بقلم: يحيي فضل الله

منمنمات … بقلم: يحيي فضل الله

الشاعر ابو ذر الغفاري
اكثر من ربع قرن من ممارسة المجهول

(( في عيونك
ضجة الشوق والهواجس
ريحة الموج
البنحلم فيهو
بي جية النوارس ))
ابو ذر الغفاري , اين انت ايها المسكون بالهواجس؟
هل قصدت هذا الاختفاء ؟
اعطنا اشارة تدل عليك ـ اية اشارة حتي ولو كلمة لها امكانية ان تخترق كل هذا الغياب ـ كلمة واحدة فقط يا اباذر الغفاري تكفي تماما كي نعرف اين انت الان.
كنت ابحث بين اوراقي القديمة فوجدت اعترافك القاسي الذي تقول فيه انك لعنة هذا الكون.
هل انت بالقدر و القوة التي تجعلك تتحمل هذا العبء ؟
عبء ان تكون لعنة ؟ ـ لعنة هذا الكون؟؟؟؟
(( يا ما شان زفة خريفك
كل عاشق ادي فرضو
و الغمام الفيك راحل
في الصنوبر يلقي ارضو
و الصباح يمتد ياما
كلما جاوبتي نبضو ))
افكر احيانا كثيرة في انك قد تقمصت فكرة ابي ذر الغفاري ذلك القديم ـ ذلك العاشق للعزلة و المنتمي الي وحدته ـ سألت عن معني ان تكون حاملا لهذا الاسم ـ كنت اظن انه لقب و لكني وجدت ان اباذر الغفاري هو اسمك
هل ستعيش وحدك وتموت وحدك ؟
هل انت حذر من ذلك البرد الذي قتل اباذر الكبير ؟
تري في اي مكان تمارس عزلتك ؟
نحن هنا قد نتحمل الغياب ولكن من الصعوبة ان نتحمل عدم الاجابة علي هذا السؤال
اين انت الان ؟؟؟؟؟؟
يا ابو ذر الغفاري
اين انت الان ؟
ان غبار الشوارع الترابية بالحاج يوسف تحتاج ان تواقعك خطواتك القلقة ـ ان حروف المطابع تبحث عن جملة شفافة تتباهي بها ، جملة تتمرد علي عجز كل الانسانية ـ من يستطيع ان يكون هذه الجملة غيرك انت يا اباذر الغفاري ؟ ، ايها الغائب في المجهول ايها الحاضر في العدم.
كان بيننا ذلك اللقاء الذي لم يتم ، حقيقة انت لم تخلف ذلك الموعد ـ موعد ان نلتقي ـ تري كم من المواعيد استطاع اولئك المكرسون للقبح ان ينسفوها ؟ كم من الامنيات وكم من الاحلام؟
(( يا صباحات الموانئ
حتي لو دربك ترنح
في مشاوير الاغاني
و الجرح ارتد بينا
لي زمان الآهة تاني
يانا لا بنتحاشي صدك
لا بتموت فينا الاماني ))
هاهو الجرح قد ارتد بنا ـ ها هي الاغاني تواصل تلك المقاومة ـ ها هي الامنيات تقاوم موت الروح و هأنت غائب في المجهول ، ان البحث عنك اصبح من باب التجريد ـ ان نبحث في اي مكان ـ هل يمكن ان نحلم بان يجد هذا البحث المضني عنك مكانا يمارس فيه وجوده ؟
ان اختفاءك المريب يصلح تماما كمقدمة لرواية لا تنتهي ابدا و لها من العمق ما يكفي تماما لتعرية كل ملامح الزيف ، كل تجليات القبح ـ اختفاء عادي في زمن غير عادي ـ سألنا والدتك لم تقل اكثر مما حدث ـ خرج ابوذر مع شخصين جاءا يبحثان عنه ولم يعد حتي الان ـ استغرق هذا الاختفاء اعوام ـ اعوام عبرت فيها الانسانية من قرن الي قرن ـ اعوام من الغياب ـ اعوام من ممارسة المجهول ـ منذ العام الثاني و التسعين من القرن المنصرم وحتي هذه اللحظة لم يعرف احد اين اتجه ابوذر الغفاري و بقيت في الذهن تلك الاسئلة التي تستعصي علي الاجابات ، بقيت تلك الهواجس و الخوف من المجهول ، بقيت تلك الفكرة التي لا تتحمل الفرح ، ذلك الفرح الذي يمارس انطلاقه و بعفوية داخل قصائد ابي ذر الغفاري
يا ابوذر الغفاري
هل انت حي ترزق او ترزع ؟
لا يهم ، انت ترزق او ترزع و لكن الاهم ان تكون حيا ـ ان حياة الشاعر تعني حياة الشعر و لكن موت الشاعر لا يعني موت الشعر او كما اعلن (جورجي امادو) الروائي البرازيلي ـ (ان الشعراء لا يموتون ) ـ لا استطيع ان اتحمل موت الشعراء ذلك الموت الذي رفضه شاعر مثلما اختاره شاعرا اخر ـ يقول شاعر الانسانية العظيم بابلو نيرودا
ـ ( نحن الشعراء قد ترأسنا فجأة تمرد الفرح ) ـ
تمرد الفرح
هكذا يا اباذر ، كنت تركض وراء هذا التمرد ، كنت تبحث عن انطلاقك خارج القيود ، كنت تدري انك إستثنائي في زمن العادي و المألوف
(( يا ما نحلم نحكي ليك
عن المسافة
و نشتهيك
عن سفن
بالشوق بترسم
في عويناتك ضفافا
عن حقيقة نهاتي بيها
في اساطير الخرافه ))
عذرا لكل هذا الهذيان و لكنه هذيان منطقي ـ هكذا يصبح الهذيان منطقا حين نفقد وجود شاعر شفاف مثل ابي ذر الغفاري.
اختفي ابوذر الغفاري منذ اعوام ، اختفي بعد ان اخذه اثنان من رجال الامن من منزله بالحاج يوسف و منذ تلك اللحظة ولا احد يعلم اين هو و البحث عنه كما قلت اصبح من باب التجريد ، اختفي و تركنا نعبث بالمجهول و تعبث بنا معلومات تحاول ان تكون مطمئنة تارة و تارة مخيفة حد التصفية.
هكذا
اكثر من ربع قرن في ممارسة المجهول
هكذا
خرج الشاعر ابوذر الغفاري او اخرج من منزله بالحاج يوسف ولم يعد حتي الان ـ اوصافه كالاتي
عار من كل الاقنعة
عادي كالانتماء
علي كل من يجده الاتصال بمداخل الروح.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.