آخر الأخبار
The news is by your side.

تداعيات  … بقلم: يحيى فضل الله  ..  عوض ك

تداعيات  … بقلم: يحيى فضل الله  ..  عوض ك

امام مقهي وحلواني( كزبلانكا ) المقابل لمستشفي كادوقلي والقريب جدا من بنك النيلين أستطاع ( كاوو )- حارس مرمي نادي الشبيبة- ان يخلق ضجة من الضحك كعادته دائما وهو يوزع روحه المرحة والممراح في تفاصيل المدينة ولكن في هذه الظهيرة يبدو الامر مختلفا بإختلاف الوسائل الكثيرة التي يختارها ( كاوو ) كمدخل لضجة كوميدية محتملة وهذه المرة كان فعلا مدخلا مختلفا ، دخل (كاوو ) في هذه الظهيرة الملتهبة السوق الكبير و هو قادم من حي الملكية يقود دراجته بحركاته البهلوانية المعتادة رغم ان الشارع بدون مارة ، وصل (كاوو ) دكان عبد المنعم الطيب الترزي وواحد من اجمل ظرفاء المدينة و احد اهم مراكز ( كاوو ) لتفجير ضجته الضاحكة ، تكل ( كاوو ) دراجته علي احد اعمدة برندة الدكان و قصد ان يستهدف بوضع الدراجة هكذا شلة من الشباب الجالسين علي الكراسي و بعضهم وقوف ، قبل ان يصل (كاوو ) ماكينة خياطة عبد المنعم , صرخ احد الشباب ضاحكا و بمتعة مشيرا الي دراجة ( كاوو ) وانفجر الشباب بالضحك علي التوالي وهو يتابعون إشارة الضاحك الاول الي الدراجة وكانت هذه الإشارة تتجه تحديدا الي لافتة صغيرة مثبتة علي سبت الدراجة الخلفي وكانت هناك جملة مكتوبة علي اللافتة هي سبب هذه الضحكات المتفجرة والتي يلمها (كاوو) بطرف من حكايات و حكايات مفجرا مزيدا من الضحكات وهكذا اشعل ( كاوو ) بلافتة دراجته تلك ظهيرة المدينة بالضحكات متجولا هنا وهناك و هاهو امامي الان و انا اجلس في الركن الذي افضله في مقهي وحلواني ( كزبلانكا) ، اراه امامي و قد تحلق حوله جمع من الناس وهو يحكي وما كان علي الضحكات إلا ان تتعالي الامر الذي اثار فضولي فتحركت و اقتربت من الحلقة , اقتربت اكثر لاقرأ الجملة المكتوبة علي اللافتة وبخط جميل اصفر علي ارضية سوداء وفرقعت ضحكتي لتختلط بضحكات اخريات ، كان مكتوبا علي اللافتة هذه الجملة
( اغلي من لاندروفر )
، تري ما الذي يضحك في هذه الجملة ( اغلي من لاندروفر ) ؟ ، كل ما في الامر ان ( كاوو ) بإختياره هذه الجملة كان مستندا علي حكاية تهامست بها المدينة حتي وصلت الي المحاكم وهي ان مصلحة النقل الميكانيكي قد لجنت عدد من العربات الحكومية و طرحتها للبيع ومن ضمن هذه العربات كان هنالك عربة لاندروفر بحالة سليمة حصل عليها احد اصحاب الحظوة الحكومية بمبلغ
تسعين جنيها
وبما ان دراجة ( كاوو ) ثمنها 100 جنية فهي اغلي من لاندروفرو هكذا بين هذه المعادلة الحسابية يوزع ( كاوو ) حكاياته المختلقة و المحلقة حول حدث يستحق التعرية وقد كان المدخل الي تفجير الضحك حول الحدث يبدأ من رؤية وقراءة اللافتة ، عدت بضحكتي الي ركني المفضل في المقهي و لكني سرعان ما رجعت مرة اخري الي دراجة (كاوو) لانظر مرة اخري الي اللافتة المميزة بخط جميل لاقرأ تحت الكتابة توقيع الخطاط (عوض ك)
(عوض ك) عرفته المدينة عبر اللافتات التجارية ، الكتابات علي اللواري و البصات ، دراجات المدينة كانت تتباهي بلافتات صغيرة تثبت علي السبت الخلفي للدراجة ، فيما بعد منتصف السبعينات حين تحولت مدينة كادوقلي من مركز الي عاصمة محافظة ( جنوب كردفان ) كان (عوض ك) بلافتاته ذات الخط المميز علامة من علامات هذا التحول وقد كان نادر ما توضع لافتات علي المحلات التجارية ، دكاكين قليلة كانت عليها لافتات تحمل اسماء شركات مثل شيكان كولا ) واذكر لافتة موقع عليها باسم غريب هو( عيون كديس ) ـ ابناء مدينة (الابيض) يعرفون هذا الاسم – جاء الفنان الخطاط (عوض ك) الي كادوقلي من ضمن اولئك الذين جاؤا اليها كموظفين و عمال مهرة من ضمن مشروع هذا التحول ، كان هو يعمل بمصلحة الاشغال و هذه المصلحة بالذات منحت كادوقلي العديد من الشخصيات المؤثرة ، ظرفاء و لاعبي كرة و مدربين و مغنين وعازفين ، البعض منهم من ابناء المدينة و البعض جاء اليها من مدن اخري، كان يوقع علي اللافتات هكذا ( عوض ك ) فمنحه هذا التوقيع الاختلاف في مناداته ، البعض ينادونه ب ( عوض كاف ) و البعض الاخر ينادونه ب عوض ك) دون إضافة حرف الفاء والمقربين جدا من الاصدقاء يكتفون بمناداته ب ( ك ) .
منح ( عوض ك ) روحه المرحة الجذابة العذبة للمدينة ، تراه يتجول بدراجته في السوق الكبير و تتبعه صيحات الترحاب التي عادة ما يقابلها بود عميق عبر تلويحات يده اليسري ، كان (عوض ك) عادة ما يستخدم يده اليسري ، احيانا يلوح بكلتا يديه متحكما في توازن الدراجة ، كان ضجة من المرح و كرنفالا من البشاشة ، يترك دائما اثره علي الاماكن التي يمر بها ، هاهو يقذف بنكتة لاذعة امام تربيزة ( خليل البوني ) احد اشهر جزاري كادوقلي ، حين يسمع الناس ضجة ضاحكة تنبعث من زنك الخضار يعرفون ان ( عوض ك ) مر من هنا ، له في دار الرياضة او سينما كادوقلي إجتراحات من المداعبات ، (عوض ك) صديق للآلفة ، إينما يذهب يتحلق الناس حوله ، اذكر ان شجرة النيم الكبيرة الظليلة التي علي جانب زنك التشاشة و امام زنك الكرشه والكمونية قد لاذ بها جمع من الناس تحلقوا حول ( عوض ك ) في احدي صباحات الجمعة ، كان ( عوض ك ) قد بدأ فاصلا من النكات ، ( عوض ك ) كان يؤدي النكتة يرويها ويشخصها بطريقة بارعة ، لن انسي تلك النكتة التي يتقمص فيها (عوض ك) شخصية تمتام سأله احدهم عن الزمن :- ( الساعة كم لو سمحت ) فرد عليه التمتام “- ( وا … وا …. وا…… . وأ… وا)، فحاول السائل ان يساعده قائلا :- ( واحده ؟ ) فأجاب التمتام متخلصا من تمتمته :- ( لا … واقفه )
يتنقل (عوض ك ) عبر شخوص نكاته المتعددة ، تراه يتقمص شخصيات نسائية متنوعة في مفارقات ضاحكة بأداء ممثل مقتدر ، هكذا دائما ( عوض ك ) اينما وجد يمنح روحه المرحة لكل الناس ، في حي السوق و في مناسبة زواج جارنا ( عثمان عابدين ) رحمه الله كان ( عوض ك ) هو مغني الحفل ، بصوت رخيم عذب يتنقل بين الاغنيات خاصة اغنيات الحقيبة ، ينقرباصابع يده اليسري علي الرق بطريقة ساحرة و بين اغنية واغنية يتقمص شخصيات نكاته وحين سرنا من حي السوق الي حي كليمو حيث منزل العروس كان ( عوض ك) يمنح كورال البنات نقرات من الرق تتخلل نسيج إيقاعات الدلوكة العذبة ويضيف بعدا حواريا لاغنية تحتمل الفكرة
(( ما لي دخل تاني
ما دام هو نساني
يا فاطنه و فطينه
مادام هو نساني
و اصلو الغربة شينه
مادام هو نساني ))
هو ( عوض ك ) يزين المدينة بلافتاته ذات الخط الجميل ، يمنح لياليها زفة من الاغنيات ، يحرضها كي تنتمي للضحكة ، يوزع إلفته علي الدروب و الشوارع والازقة والاسواق و المقاهي و كأنه يحاول ان يعيد تكوين الكون عبر ادواته الفنية المتنوعة ف( عوض ك ) يمتلك فرشاة للرسم و الخط وحضور درامي متميز للنكتة و التشخيص وتصويت عذب للغناء و الطرب واهم من كل ذلك يمتلك روحا بإتساع الجمال تستطيع ان تشعل كل هذه الادوات الجميلة .
( عوض ك ) كائن درامي حقيقي واظنه قد خرج من كادوقلي حين تحولت من مدينة اليفة الي مدينة قبحت بحرب لا منتصر فيها ، احن الي صوت ( عوض ك )الرخيم العذب وهو يأتيني عبر ظلمة داكنة من حفل عرس في حي الرديف في ليلة بها من الخريف زيفة باردة وانا اتسكع بين اكشاك كنتين الملكية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.