آخر الأخبار
The news is by your side.

بلا حدود … بقلم: هنادي الصديق … منع من النشر

صراع حتى الموت

مع تزايد أعداد المنضمين للهبَّة الشعبية، والحِراك الذي انتظم الشوارع، يمكن أن نؤكد الحقيقة الواقعة.. وهي سقوط النظام.. وانهيار الدولة. ولم يُعد في الامكان إخفاء هذا الانهيار ــ رغم تصريحات المسؤولين الببغاوية والهستيريا، والتي جعلتهم موضع سخرية ــ فقوة الأحداث، وفظاعتها، والنسبة العالية لمشاهدتها بضغطة أصغر أصبع على ذرِّ الهاتف، كشفت للعالم أجمع حقيقة وممارسات أسوأ نظام قمعي مرَّ على تاريخ السودان الحديث، وكله بفضل الآلة الصغيرة المحمولة في أيدي نسبة كبيرة من شعب السودان، والتي يصعب على أذناب النظام قمعها، بتوثيقها لكافة جرائم وفظائع هذا النظام، بصدقها، وقوة تأثيرها، ونقلها للأحداث في وقتها.. صورة وصوت. حيث شكَّلت حائط صد متين، بل ترسانة دفاع عاتية أمام ترسانات النظام العسكرية والأمنية، بكادرها البشري غليظ القلب، معدوم الضمير، وبمعداتها الحربية الخفيفة والثقيلة، وكشفت عورة إعلام النظام المأجور، الذي ظلَّ ينشر الأكاذيب عبر القنوات والإذاعات (الرسمية)، وعبر الصحف الصفراء المملوكة لسماسرة النظام وتجَّار الكلمة.
ولعلَّ التصريحات الراجفة، والتحركات للرئيس، والمسؤولين، وهضربات الإعلام الموالي، وعزفه في الزمن الضائع، لن تجدي نفعاً مع حالة الدفع القوية التي انتظمت الشارع، رغم الرصاص الذي اخترق صدور ورؤوس الشباب الغضِّ مستقبل السودان، بدلاً أن يأخذ مكانه الطبيعي في مناطق حلايب، والفشقة، وغيرها من الاراضي السودانية المغتصبة.
النظام بات يبحث عن الخلاص، مستصحباً سيرة السلف الصالح في تفقد الرعية، في الوقت الذي بحثت عنه الرعية لسنوات طويلة ولم تجده، بعد أن ظلَّت جميع أبوابه موصدة أمامها، ولكنه أتاها اليوم مُجرجراً خيباته، وهي من أغلقت أبوابها في وجهه.
لم يَعُد للنظام السلطة في إيقاف فوضى الأسواق، لأن الحكومة، بل النظام أكبر راعٍ وداعمٍ لهذه الفوضى، التي أثرى من خلالها العشرات من قيادات الدولة وأسرهم، باحتكار السلع وبيعها وفق أهوائهم، ضاربين بسوء أحوال المواطنين عرض الحائط.
انتشرت الفوضى لسنوات، وعمَّت كافة المرافق والمؤسسات الخدمية، بدءاً من المستشفيات، والاسواق، والصيدليات، ودور التعليم، ومؤسسات القضاء، والقوات النظامية، وحتى المساجد لم تسلم منها، بشراء ذمم أئمة ودعاة، هم في الحقيقة عبدة للسلطان، وخدم للباطل.
لم يعد يجدي الحديث عن تهريب الذهب، ولا عن شفط أموال البترول، ولا عن تجنيب وتغييب أموال الضرائب، والزكاة، ولا الجمارك، لصالح فئات معلومة للجميع. فاليوم فقط نتحدث عن وعي الشعب، وإحكامه لقبضته في مواجهة النظام الفاسد، وعزمه على اسقاطه بالقاضية.
من يتحدثون باحباط وتشاؤم عن قِلَّة عدد المحتجين والمتظاهرين في المسيرات السابقة؛ عليهم أن يعوا تماماً أن الثورة لا تأتي أُكلها ما بين يوم وليلة، وإنما هي فعل تراكمي لعمل مستمر، وعليهم أن يتذكروا أن فساد ثلاثين عاماً لن يتم إجتثاثه في ثلاثين يوماً فقط، وليضعوا نصب أعينهم شعار “عندما تصبح الدكتاتورية واقعاً، الثورة تصبح حقاً”.
وكما قال الزعيم الكوبي الثائر فيدل كاسترو “الثورة ليست مفروشة بالورود. الثورة هي صراع حتى الموت بين المستقبل والماضي”. ونذكر في ذلك عبارات تاريخية ذكرها الزعيم اليساري تشي جيفارا وهو يؤكد أن “الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن، والثورة ليست تفاحة تسقط عندما تنضج. فقط عليك أن تجعلها تقع”. والأدوار التي قام بها أولئك الثوار لتطهير بلدانهم، وشراء الحرية، تستحق أن نقف عندها ونستلهم منها دروساً وعبراً تقودنا لدروب الخلاص النهائي. فقط المطلوب من الشعب أن يستمر في هزِّ شجرة الثورة ليتساقط تفاحها الذي انتظر طويلاً.
بقي أن نعي تماماً أن الهدف النهائي من كل تغيير اجتماعي ثوري، هو إثبات قدسية الحياة البشرية، وكرامة الإنسان، وحق كل إنسان في الحرية والرفاهية دون وصاية أو قيد أو شرط.
الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.